الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1646 314 - حدثنا يحيى بن بكير قال: حدثنا الليث، عن جعفر بن ربيعة، عن الأعرج قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن عائشة رضي الله عنها قالت: حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فأفضنا يوم النحر، فحاضت صفية، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم منها ما يريد الرجل من أهله، فقلت: يا رسول الله، إنها حائض، قال: حابستنا هي. قالوا: يا رسول الله، أفاضت يوم النحر، قال: اخرجوا.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: " فأفضنا يوم النحر" لأن معناه: طفنا طواف الإفاضة يوم النحر.

                                                                                                                                                                                  (ذكر رجاله): وهم ستة:

                                                                                                                                                                                  الأول: يحيى بن بكير، بضم الباء الموحدة، وهو يحيى بن عبد الله بن بكير.

                                                                                                                                                                                  الثاني: الليث بن سعد.

                                                                                                                                                                                  الثالث: جعفر بن ربيعة بن شرحبيل ابن حسنة القرشي.

                                                                                                                                                                                  الرابع: الأعرج واسمه عبد الرحمن بن هرمز.

                                                                                                                                                                                  الخامس: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.

                                                                                                                                                                                  السادس: أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها.

                                                                                                                                                                                  (ذكر لطائف إسناده): فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين، وبصيغة الإفراد في موضع، وفيه العنعنة في موضعين، وفيه القول في موضعين، وفيه أن الثلاثة الأول من الرواة مصريون والاثنان مدنيان، وفيه أن شيخه مذكور [ ص: 70 ] بنسبته إلى جده، والليث مذكور مجردا، وعبد الرحمن بن هرمز مذكور بلقبه. والحديث أخرجه النسائي أيضا في الحج عن عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد، عن أبيه عن جده به.

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه): قوله: " فأفضنا" من الإفاضة؛ أي: طفنا طواف الإفاضة. قوله: " صفية" هي بنت حيي بن أخطب أم المؤمنين. قوله: " فأراد النبي صلى الله عليه وسلم منها" ؛ أي من صفية، " ما يريد الرجل من أهله"؛ أي من زوجته، وهذا كناية عن إرادة الجماع، وهذا من محاسن مراعاة عائشة طرق كلامها حيث لم تصرح باسم من أسماء الجماع. قوله: " حابستنا هي" جملة اسمية، فقوله: " هي" مبتدأ، و"حابستنا" خبره، ولا يجوز العكس إلا أن يقال: الهمزة مقدرة قبل "حابستنا" فيجوز الأمران حينئذ؛ لأن كلمة "هي" وإن كانت مضمرة، لكنها ظاهرة. قوله: " قال: اخرجوا" ؛ أي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمع منهم أنهم قالوا: أفاضت صفية يوم النحر: "اخرجوا"، وكان ظن أنها لم تطف طواف الزيارة فتحبسهم إلى أن تطهر فتطوف طواف الزيارة، فلما قالوا: إنها أفاضت يوم النحر قال لهم: "اخرجوا" يعني ارحلوا، ورخص لها في ترك طواف الوداع؛ لأنه ليس بواجب على قول أكثر العلماء إلا خلافا شاذا يروى عن بعض السلف أنها لا تنفر حتى تودع، والحديث حجة عليه، وفي شرح المهذب: إذا ترك طواف الوداع لزمه دم، هذا هو الصحيح عند الشافعي وبه قال أكثر العلماء فهو واجب، وقال مالك وداود وابن المنذر: هو سنة لا شيء في تركه، وعن مجاهد روايتان كالمذهبين.

                                                                                                                                                                                  ومن فوائد هذا الحديث ما قاله القرطبي: قوله: " حابستنا هي" دليل أن الكرى يحبس على التي حاضت ولم تطف طواف الإفاضة حتى تطهر، وهو قول مالك، وقال الشافعي: لا يحبس عليها كرى ولتكر حملها أو يحمل مكانها غيرها، وهذا كله في الأمن ووجود ذي المحرم، وأما مع الخوف أو عدم ذي المحرم فلا تحبس باتفاق؛ إذ لا يمكن أن يسير بها وحدها ويفسخ الكرى ولا يحبس عليها الرفقة.

                                                                                                                                                                                  ومن فوائده أن في قولها: " فأراد منها ما يريد الرجل من أهله " أنه لا بأس بالإعلام بذلك وإنما المكروه أن يغشاها حيث يسمع أو يرى.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية