الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
483 [ ص: 227 ] حديث ثالث لعبد الرحمن بن أبي صعصعة

مالك ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة ، عن أبيه ، عن أبي سعيد الخدري : أنه سمع رجلا يقرأ قل هو الله أحد يرددها فلما أصبح غدا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له ، وكان الرجل يتقالها ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن .

التالي السابق


قال أبو عمر :

هكذا هذا الحديث في الموطأ عند جماعة رواته فيما علمت ، لم يتجاوز به أبو سعيد ، وليس بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أحد ، وكذلك رواه يحيى القطان وغيره عن مالك .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا بكر بن حماد قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن مالك بن [ ص: 228 ] أنس قال : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة ، عن أبيه ، عن أبي سعيد الخدري قال : كان رجل يصلي من الليل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويقرأ قل هو الله أحد ويرددها ، فذكر ذلك الرجل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكأنه تقاله يقول : استقلها ، فقال : إنها لتعدل ثلث القرآن .

ورواه إسماعيل بن جعفر ، وإبراهيم بن المختار ، عن مالك بإسناده ، عن أبي سعيد ، عن قتادة بن النعمان ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقتادة بن النعمان هو أخو أبي سعيد الخدري لأمه ، وهو رجل من كبار الأنصار من بني ظفر من الأوس ، قد ذكرناه في كتابنا في الصحابة بما يغني عن ذكره هاهنا .

وقد روي أن قتادة هذا هو الرجل الذي كان يقرأ قل هو الله أحد ، ويتقالها ، على ما ذكر في هذا الحديث .

وروى ابن وهب ، عن ابن لهيعة ، عن الحارث بن يزيد ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري أنه قال : بات قتادة بن النعمان يقرأ قل هو الله أحد حتى أصبح ، فذكر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن أو نصفه .

قال أبو عمر :

أو نصفه شك من المحدث لا يجوز أن يكون شكا من النبي - صلى الله عليه وسلم - على أنها لفظة غير محفوظة في هذا الحديث ولا في غيره ، والمحفوظ الثابث الصحيح في هذا الحديث وغيره : إنها لتعدل ثلث القرآن - دون شك ، وقد يحتمل أن يكون الشك من النبي - صلى الله عليه وسلم - على مذهب من تأول في هذا الحديث أن الرجل لم يزل يكررها ويرددها في ليلته يقطعها بها ، إذ كان لا يحفظ غيرها فيما ذكروا ، حتى بلغ تكراره لها وترداده إياها موازاة حروف ثلث القرآن أو نصفه .

[ ص: 229 ] وهذا يمكن فيه الشك على هذا الوجه فلا يكون لها في ذاتها فضل على غيرها ; لأنها إنما عدلت بثلث القرآن لبلوغ تكرارها إلى ذلك ونحوه ، وهذا التأويل فيه بعد عن الظاهر جدا ، والله الموفق للصواب .

حدثنا خلف بن القاسم قال : حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق بن مهران السراج ، وعبد الله بن محمد بن عبد الله الحصيبي القاضي قالا : حدثنا محمد بن عبدوس بن كامل السراج قال : حدثنا أبو معمر قال : حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن مالك ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة الأنصاري ، عن أبيه ، عن أبي سعيد الخدري قال : أخبرني قتادة بن النعمان أن رجلا قال : يا رسول الله إن فلانا قام الليلة يقرأ قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد يرددها لا يزيد عليها ، كأن الرجل يتقالها ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن .

وحدثنا خلف بن القاسم ، حدثنا عبد الوهاب بن محمد بن سهيل بن منصور بن الحجاج النصيبي ، وثوابة بن أحمد بن ثوابة الموصلي ، وعلي بن الحسن بن علال الحراني ، وأبو يوسف يعقوب بن مسدد بن يعقوب القلوسي قالوا : حدثنا أحمد بن علي بن المثنى الموصلي ، حدثنا أبو معمر الهذلي إسماعيل بن إبراهيم القطيعي ، حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن مالك بن أنس ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري ، عن أبيه ، عن أبي سعيد الخدري قال : أخبرني قتادة بن النعمان أخي : أن رجلا قام في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ من السحر قل هو الله أحد يرددها لا يزيد عليها ، فلما أصبح أتى رجل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، إن فلانا بات يقرأ الليلة من السحر [ ص: 230 ] قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد يرددها لا يزيد عليها ، كأن الرجل يتقالها فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن . لفظ الحديث لعبد الوهاب ، وألفاظهم متقاربة ، والمعنى واحد .

وأخبرنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا حمزة بن محمد قال : أخبرنا أبو يعلى أحمد بن علي المثنى قال : حدثنا أبو معمر إسماعيل بن إبراهيم قال : حدثنا إبراهيم بن جعفر قال : حدثني مالك بن أنس ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة ، عن أبيه ، عن أبي سعيد الخدري قال : حدثني أخي قتادة بن النعمان قال : قام رجل من الليل يقرأ قل هو الله أحد السورة يرددها لا يزيد عليها ، فلما أصبحنا قال رجل : يا رسول الله إن رجلا قام الليلة من السحر يقرأ قل هو الله أحد لا يزيد عليها ، كأن الرجل يتقالها ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن .

قال أبو عمر :

هذا الحديث سمعه أبو سعيد وقتادة جميعا من النبي - صلى الله عليه وسلم - ورواية الموطأ وغيرها تدل على ذلك .

وحدثنا أحمد بن فتح ، وخلف بن قاسم قالا : حدثنا أحمد بن الحسن ( بن إسحاق ) الرازي قال : حدثنا علي بن سعيد بن بشير قال : حدثنا محمد بن حميد قال : حدثنا إبراهيم بن المختار قال : حدثنا مالك بن أنس ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة ، عن أبيه ، عن أبي سعيد الخدري ، عن أخيه قتادة بن النعمان قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن .

[ ص: 231 ] وقد ذكرنا من الأخبار المتواترة عن النبي عليه السلام في أن قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن في باب ابن شهاب ، عن حميد بن عبد الرحمن ما فيه شفاء واكتفاء ، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك ، ونحن نقول بما ثبت عنه ولا نعدوه ، ونكل ما جهلنا من معناه إليه - صلى الله عليه وسلم - فبه علمنا ما علمنا ، وهو المبين عن الله مراده ، والقرآن عندنا مع هذا كله كلام الله وصفة من صفاته ليس بمخلوق ، ولا ندري لم تعدل ثلث القرآن ، والله يتفضل بما يشاء على عباده ، وقد قيل : إن ذلك الرجل مخصوص وحده بأنها تعدل ذلك له ، وهذه دعوى لا برهان عليها ، وقيل : إنها لما تضمنت التوحيد والإخلاص كانت كذلك ، فلو كان هذا الاعتلال وهذا المعنى صحيحا ، لكانت كل آية تضمنت هذا المعنى يحكم لها بحكمها ، وهذا ( ما ) لا يقدم العلماء عليه من القياس ، وكلهم يأباه ، ويقف عند ما رواه .

حدثنا محمد بن خليفة قال : حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا ابن الأعرابي قال : حدثنا عمر بن مدرك القاضي قال : حدثنا الهيثم بن خارجة قال : حدثنا الوليد بن مسلم قال : سألت الأوزاعي ، وسفيان الثوري ، ومالك بن أنس ، والليث بن سعد ، عن الأحاديث التي فيها الصفات ، فكلهم قال : مروها كما جاءت بلا تفسير ، وقال أحمد بن حنبل : يسلم لها كما جاءت ، فقد تلقاها العلماء بالقبول .

وأما قول الله عز وجل ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها فمعناه بخير منها لنا لا في نفسها ، والكلام في صفة الباري كلام يستبشعه أهل السنة ، وقد سكت عنه الأئمة ، فما أشكل علينا من مثل هذا [ ص: 232 ] الباب وشبهه ، أمررناه كما جاء ، وآمنا به ; كما نصنع بمتشابه القرآن ، ولم نناظر عليه ; لأن المناظرة إنما تسوغ وتجوز فيما تحته عمل ، ويصحبه قياس ، والقياس غير جائز في صفات الباري تعالى لأنه ليس كمثله شيء .

قال مصعب الزبيري : سمعت مالك بن أنس يقول : أدركت أهل هذا البلد - يعني المدينة - وهم يكرهون المناظرة والجدال إلا فيما تحته عمل ، يريد مالك رحمه الله الأحكام في الصلاة ، والزكاة ، والطهارة ، والصيام ، والبيوع ، ونحو ذلك ، ولا يجوز عنده الجدال فيما تعتقده الأفئدة مما لا عمل تحته أكثر من الاعتقاد ، وفي مثل هذا خاصة نهى السلف عن الجدال ، وتناظروا في الفقه ، وتقايسوا فيه ، وقد أوضحنا هذا المعنى في كتاب بيان العلم ، فمن أراده تأمله هناك ، وبالله التوفيق .

أخبرنا أحمد بن محمد ، وعبيد بن محمد قالا : حدثنا الحسن بن سلمة بن المعلى قال : حدثنا عبد الله بن الجارود قال : حدثنا إسحاق بن منصور قال : قلت لأحمد بن حنبل : حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : من قرأ قل هو الله أحد فكأنما قرأ ثلث القرآن . فلم يقم لي على أمر بين . قال : وقال لي إسحاق بن راهويه : إنما معنى ذلك أن الله جعل لكلامه فضلا على سائر الكلام ، ثم فضل بعض كلامه على بعض ، فجعل لبعضه ثوابا أضعاف ما جعل لغيره من كلامه ، تحريضا من النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته على تعليمه وكثرة قراءته ، وليس معناه أن لو قرأ القرآن كله كانت قراءة قل هو الله أحد تعدل ذلك إذا قرأها ثلاث مرات - لا ، ولو قرأها أكثر من مائتي مرة .

قال أبو عمر :

من لم يجب في هذا أخلص ممن أجاب فيه - والله أعلم - .

[ ص: 233 ] حدثنا أحمد بن فتح قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن زكرياء النيسابوري قال : حدثنا أبو عبد الله أحمد بن علي بن سهل المروزي قال : حدثنا الحسين بن الحسن قال : حدثنا سليم بن منصور بن عمار قال : كتب بشر الريسي إلى أبي رحمه الله : أخبرني عن القرآن ، أخالق أم مخلوق ؟ فكتب إليه أبي : بسم الله الرحمن الرحيم عافانا الله وإياك من كل فتنة ، وجعلنا وإياك من أهل السنة ، وممن لا يرغب بدينه عن الجماعة ، فإنه إن يفعل فأولى بها نعمة ، وإلا يفعل فهي الهلكة ، وليس لأحد على الله بعد المرسلين حجة ، ونحن نرى أن الكلام في القرآن بدعة تشارك فيها السائل والمجيب ، تعاطى السائل ما ليس له ، وتكلف المجيب ما ليس عليه ، ولا أعلم خالقا إلا الله ، والقرآن كلام الله ، فانته أنت والمختلفون فيه إلى ما سماه الله به ، تكن من المهتدين ، ولا تسم القرآن باسم من عندك فتكون من الهالكين ، جعلنا الله وإياك من الذين يخشونه بالغيب ، وهم من الساعة مشفقون .




الخدمات العلمية