الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1023 [ ص: 239 ] حديث خامس لعبد الرحمن بن أبي صعصعة

مالك ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أنه بلغه أن عمرو بن الجموح ، وعبد الله بن عمرو الأنصاريين ، ثم السلميين كانا قد حفر السيل قبرهما ، وكان قبرهما مما يلي السيل ، وكانا في قبر واحد ، وهما ممن استشهد يوم أحد ، فحفر عنهما ليغير من مكانهما ، فوجدا لم يتغيرا كأنما ماتا بالأمس ، وكان أحدهما قد جرح ، فوضع يده على جرحه فدفن وهو كذلك ، فأميطت يده عن جرحه ، ثم أرسلت فرجعت كما كانت ، وكان بين أحد وبين يوم حفر عنهما ست وأربعون سنة .

التالي السابق


هكذا هذا الحديث في الموطأ مقطوعا لم يختلف على مالك فيه ، وهو يتصل من وجوه صحاح بمعنى واحد متقارب .

قال أبو عمر :

عبد الله بن عمرو هذا هو والد جابر بن عبد الله ، وهو عبد الله بن عمرو بن حرام ، وعمرو بن الجموح ابن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة ، فهما ابنا عم ، وكانا صهرين وقتلا يوم أحد ، ودفنا في قبر واحد ، وقد ذكرناهما وطرفا من أخبارهما في كتاب الصحابة .

أخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال : أخبرنا محمد بن ( محمد بن ) أبي دليم قال : أخبرنا عمر بن حفص بن أبي تمام قال : أخبرنا محمد بن عبد [ ص: 240 ] الله بن عبد الحكم قال : حدثنا أبو زرعة وهب الله بن راشد قال : أخبرنا حيوة بن شريح قال : أخبرنا أبو صخر حميد بن زياد أن يحيى بن النضر حدثه عن أبي قتادة : أنه حضر عمرو بن الجموح أتى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله أرأيت إن قاتلت في سبيل الله حتى أقتل ، أتراني أمشي برجلي هذه في الجنة ، وكانت رجله عرجاء ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعم فقتل يوم أحد هو وابن أخيه ، فمر عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : كأني أراه يمشي في الجنة ، وأمر بهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعلا في قبر واحد .

هكذا في هذا الحديث : فقتل يوم أحد هو وابن أخيه ، وليس هو ابن أخيه ، إنما هو ابن عمه على ما تقدم ذكرنا له ، وهو عبد الله بن عمر بن حرام والد جابر بن عبد الله دفن معه في قبر واحد على ما في حديث مالك وغيره .

ذكر الفرياني ، عن سفيان ، عن أيوب ، عن حميد بن هلال ، عن هشام بن عامر قال : لما كان يوم أحد شكوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحرج ، فقالوا : يا رسول الله إنه يشتد علينا الحفر لكل إنسان فقال : عمقوا ، وأحسنوا ، وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر ، قالوا : يا رسول الله فمن نقدم ؟ قال : أكثرهم قرآنا . قال : فدفن أبي ثالث ثلاثة في قبر ، ذكرنا هذا الخبر ، وإن لم يكن فيه ذلك لعمرو بن الجموح ، ولا لعبد الله بن عمرو لما فيه من صفة الدفن يومئذ ، وقد روى سفيان ، عن الأسود بن قيس ، عن نبيح ، عن جابر بن عبد الله . قال : لما كان يوم أحد حمل القتلى ليدفنوا في البقيع ، فنادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن رسول الله يأمركم أن تدفنوا القتلى في مضاجعهم - بعدما حملت أبي وخالي عديلين لندفنهم في البقيع ، فردوا .

[ ص: 241 ] حدثنا خلف بن القاسم بن سهل . قال : حدثنا بكر بن عبد الرحمن . قال : حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح . قال : حدثنا حسان بن غالب . قال : حدثنا ابن لهيعة ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله . قال : استصرخ بنا إلى قتلانا يوم أحد ، وأجرى معاوية بن أبي سفيان العين ، فاستخرجهم بعد ستة وأربعين سنة لينة أجسادهم تنثني أطرافهم .

قال أبو عمر :

هذا هو الصحيح - والله أعلم - أنهم استخرجوا بعد ست وأربعين سنة ; لأن معاوية لم يجر العين إلا بعد اجتماع الناس عليه خليفة ، وكان اجتماع الناس عليه عام أربعين من الهجرة في آخرها ، وقد قيل : عام إحدى وأربعين ، وذلك حين بايعه الحسن بن علي وأهل العراق ، فسمي عام الجماعة ، وتوفي سنة ستين ، وقد روى أبو مسلمة سعيد بن يزيد ، عن أبي نضرة ، عن جابر أنهم أخرجوا بعد ستة أشهر ، فإن صح هذا فمرتين أخرج والد جابر من قبره ، وأما خروجه وخروج غيره في حين إجراء معاوية العين - فصحيح ، وذلك بعد ستة وأربعين عاما على ما في حديث مالك وغيره .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان . قال : حدثنا قاسم بن أصبغ . قال : حدثنا أحمد بن زهير ، حدثنا خالد بن حراش . قال : حدثنا غسان بن مضر . قال : حدثنا سعيد بن يزيد أبو مسلمة ، عن أبي نضرة ، عن جابر بن عبد الله . قال : دعاني أبي ، وقد حضر قتال أحد فقال لي : يا جابر إني لا أراني إلا أول مقتول يقتل غدا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإني لن أدع أحدا [ ص: 242 ] أعز علي منك غير نفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن لك أخوات فاستوص بهن خيرا ، وإن علي دينا فاقض عني ، فكان أول قتيل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قال : فدفنته هو وآخر في قبر واحد ، فكان في نفسي منه شيء ، فاستخرجته بعد ستة أشهر كيوم دفنته إلا هنية عند رأسه .

وروى هذا الحديث شعبة ، عن أبي مسلمة ، عن أبي نضرة ، عن جابر مثله سواء بمعناه ; إلا أنه . قال : بعد ستة أشهر أو سبعة أشهر .

وقد ذكرنا هذا الخبر فيما تقدم من كتابنا في باب أبي الرحال ، حدثنا محمد بن إبراهيم بن سعيد . قال : أخبرنا أحمد بن مطرف . قال : حدثنا سعيد بن عثمان . قال : حدثنا إسحاق بن إسماعيل . قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن أبي الزبير ، عن جابر . قال : لما أراد معاوية أن يجري العين بأحد ، نودي بالمدينة : من كان له قتيل فليأت قتيله ، . قال جابر : فأتيناهم فأخرجناهم رطابا يتثنون ، فأصابت المسحاة أصبع رجل منهم فانفطرت دما . قال أبو سعيد الخدري : لا ننكر بعد هذا منكرا أبدا .

قال أبو عمر :

الذي أصابت المسحاة أصبعه هو حمزة رضي الله عنه ، رواه عبد الأعلى بن حماد . قال : حدثنا عبد الجبار - يعني ابن الورد . قال : سمعت أبا الزبير يقول : سمعت جابر بن عبد الله يقول : رأيت الشهداء يخرجون على رقاب الرجال كأنهم رجال توم حتى إذا أصابت المسحاة قدم حمزة رضي الله عنه فانبثقت دما ، وبالله التوفيق .




الخدمات العلمية