الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
636 - ثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي ، ثنا عبد الرحمن بن المغيرة الحزامي ، ثنا عبد الرحمن بن عياش الأنصاري ، عن دلهم بن الأسود بن عبد الله بن حاجب بن المنتفق العقيلي ، عن جده عبد الله ، عن عمه لقيط بن عامر بن المنتفق ، قال دلهم : وحدثني أيضا أبي الأسود بن عبد الله ، عن عاصم بن لقيط بن عامر ، أن لقيط بن عامر خرج وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه صاحب له يقال له : نهيك بن عاصم بن مالك بن المنتفق ، قال لقيط : فخرجت أنا وصاحبي حتى قدمنا المدينة لانسلاخ رجب ، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف من صلاة الغداة ، فقام في الناس خطيبا فقال : " يا أيها الناس ، إني قد خبأت لكم صوتي منذ أربعة أيام لأسمعكم اليوم ، ألا هل من امرئ بعثه قومه فقالوا : اعلم لنا ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلعله أن يلهيه حديث نفسه ، أو حديث صاحبه ، أو يلهيه الضلال ، ألا وإني مسؤول : هل بلغت ؟ ألا اسمعوا تعيشوا ، ألا اجلسوا اجلسوا " . فجلس الناس وقمت أنا وصاحبي حتى إذا فرغ لنا فؤاده وبصره قال : قلت : يا رسول الله ما عندك من علم الغيب ؟ قال : فضحك ، لعمر الله ، وهز رأسه وعلم أني أبتغي سقطه وقال : " ضن ربك بمفاتيح خمس من الغيب لا يعلمها إلا الله " وأشار بيده فقلت : وما هي يا رسول الله ؟ قال : " قد علم متى منية أحدكم ولا تعلمون ، وعلم المني حين يكون في الرحم ولا تعلمونه ، وعلم ما في غد ، قد علم ما أنت طاعم غدا ولا تعلم ، ويعلم يوم الغيث ليشرف عليكم آزلين مشفقين فيظل يضحك ، وقد علم أن غوثكم قريب " . قال لقيط : فقلت : لن نعدم من رب يضحك خيرا . " وعلم يوم تقوم الساعة " . قلت : يا رسول الله إني سائلك [ ص: 287 ] عن حاجتي فلا تعجلني . قال : " سل " قلت : يا رسول الله علمنا مما تعلم ولا نعلم ، فإنا من قبيل لا يصدقون تصديقنا أحد من مذحج التي تربو علينا ، وخثعم التي توالينا ، وعشيرتنا التي نحن منها . قال : " تلبثون ما لبثتم ، ثم يتوفى نبيكم صلى الله عليه وسلم ، ثم تلبثون ما لبثتم ، ثم تبعث الصيحة ، فلعمر إلهك ما يدع على ظهرها من شيء إلا مات ، والملائكة الذين مع ربك ، فأصبح ربك يطوف في الأرض ، وخلت عليه البلاد ، فأرسل ربك السماء تهضب من عند العرش ، فلعمر إلهك ما يدع على ظهرها من مصرع قتيل ولا مدفن ميت إلا شق الغيث عنه ، حتى يخلقه من عند رأسه فيستوي جالسا ، فيقول ربك : مهيم ؟ فيقول : أمس اليوم يا رب ، لعهده بالحياة يحسبه قريبا لعهده بأهله " . فقلت : يا رسول الله كيف يجمعنا بعدما تمزقنا الرياح والبلاء والسباع ؟ قال : " أنبئك في مثل ذلك في آلاء الله : في الأرض أشرفت عليها مرة بالية ، فقلت : أنى تحيا أبدا ، ثم أرسل ربك عليه السماء ، فلم يلبث عليها إلا أياما حتى أشرفت عليها فإذا هي شربة واحدة ، ولعمر إلهك لهذا أقدر على أن يجمعكم من الماء على أن يجمع نبات الأرض ، فتخرجون من الاستقرار بين القبور من مصارعكم ، فتنظرون إليه ساعة وينظر إليكم " . قلت : يا رسول الله وكيف ونحن ملء الأرض وهو شخص واحد ينظر إلينا وننظر إليه ؟ قال : " أنبئك بمثل ذلك في إل الله : الشمس والقمر آية منه صغيرة ، ترونهما ساعة واحدة ويريانكم ، ولا تضامون في رؤيتهما ، ولعمر إلهك لهو أقدر على أن يراكم وترونه منهما إن ترونهما ويريانكم " . قال : قلت : يا رسول الله فما يفعل بنا إذا لقيناه ؟ قال : " تعرضون عليه بادية له صفاحكم ، لا يخفى عليه منكم خافية ، فيأخذ ربك بيده غرفة من الماء ، فينضح به قبلكم ، فلعمر إلهك ما تخطئ وجه أحدكم قطرة ، فأما المسلم فيدع وجهه مثل الريطة البيضاء ، وأما الكافر فيخطم مثل المخطم الأسود ، ثم ينصرف نبيكم ويفترق على أثره الصالحون ، ألا فتسلكون جسرا من النار ، يطأ أحدكم الجمرة فيقول : حس . يقول ربك تبارك وتعالى : أوانه . ألا فتطلعون على حوض الرسول ، لا يظمأ والله [ ص: 288 ] ناهله أبدا ، فلعمر إلهك ما يبسط أحد منكم يده إلا وقع عليها قدح يطهره من الطوف والبول والأذى ، وتحبس الشمس والقمر فلا ترون واحدا منهما " . قال : فقلت : يا رسول الله ، فبم نبصر ؟ قال : " مثل بصر ساعتك هذه ، وذلك قبل طلوع الشمس في يوم أشرقت به الأرض واجهت الجبال " . قال : قلت : يا رسول الله ، فبما نجزى من سيئاتنا وحسناتنا ؟ قال : " الحسنة بعشرة أمثالها ، والسيئة بمثلها أو يعفو الله " . قال : قلت : يا رسول الله ، فما الجنة ؟ فما النار ؟ قال : " لعمر إلهك ، إن النار لها سبعة أبواب ، ما فيهن بابان إلا وبينهما مسيرة الراكب سبعين عاما " . قلت : يا رسول الله ، فعلى ما نطلع من الجنة ؟ قال : " على أنهار من عسل مصفى ، وأنهار من كأس ما بها صداع ولا ندامة ، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ، وماء غير آسن ، وفاكهة ، ولعمر إلهك ما تعلمون ، وخير من مثله معه ، وأزواج مطهرة " . قلت : يا رسول الله ، ألنا بها أزواج وفيهن الصالحات ؟ قال : " الصالحات للصالحين ، يلذونهن مثل لذاذتكم في الدنيا ، ويلذونكم ، غير أن لا توالد " . قال لقيط : فقلت : أفضل ما نحن بالغون فتهون . قلت : يا رسول الله ، على ما أبايعك ؟ فبسط يده وقال : " على إقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وزيال المشرك ، وأنه لا تشرك بالله إلها غيره " . قلت : وإن لنا ما بين المشرق والمغرب . قال : فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يده وبسط أصابعه ، فظن أنه مشترط شيئا ، قال : قلت : نحل منها حيث نشاء ، ولا يجني على امرئ إلا نفسه . قال : فبسط رسول الله صلى الله عليه وسلم يده قال : " ذلك لك ، تحل حيث شئت ، ولا يجني عليك إلا نفسك " . قال : فانصرفنا عنه ، وقال : " ها إن ذين ، ها إن ذين ، ها إن ذين لمن نفر ، لعمر إلهك إن حدثت ألا إنه لمن أتقى الناس لله في الأولى والآخرة " . قال كعب بن الخدارية ، أحد بني أبي بكر بن كلاب : من هم يا رسول الله ؟ قال : " بنو المنتفق ، وأهل ذلك بنو المنتفق منهم " . قال : وانصرفت فأقبلت عليه فقلت : يا رسول الله هل لأحد ممن قد مضى من خير في الجاهلية ؟ فقال رجل من [ ص: 289 ] عرض قريش : والله إن أباك المنتفق لفي النار ، قال : فكأنه وقع نار بين جلد وجهي وجسدي مما قال لأبي على دواس الناس ، فهممت أن أقول : وأبوك يا رسول الله ؟ فإذا الأخرى أجمل ، فقلت : وأهلك يا رسول الله ؟ قال : " وأهلي ، لعمرك ما أتيت عليه من قبر عامري فقل : أرسلني إليك محمد وأبشر بما يسوؤك ، تجر على وجهك وبطنك في النار " . قال : فقلت : يا رسول الله ، وما فعل بهم ، وقد كانوا على عمل لا يحسنون إلا إياه ، وكانوا يحسبون أنهم مصلحون ؟ قال : " ذلك بأن الله تبارك وتعالى بعث في آخر كل سبع أمم نبيا ، فمن عصى نبيه كان من الضالين ، ومن أطاعه كان من المهتدين "

التالي السابق


الخدمات العلمية