الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              956 [ 495 ] وعنه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر .

                                                                                              رواه أحمد (2 \ 462)، والبخاري (556)، ومسلم (608) (163)، وأبو داود (412)، والترمذي (1116)، والنسائي (1 \ 257 - 258) .

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              وقوله : " من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر " : هذا محمول عند مالك وأصحابه على أصحاب الأعذار ; كالحائض تطهر ، والمغلوب يفيق ، والصبي يبلغ ، والكافر يسلم ، والمسافر يقدم ، أو الحاضر يسافر وقد نسي صلاة . والذي حملهم على ذلك : روم الجمع بين الأحاديث المتعارضة في هذا الباب ; وذلك أنه قد تقرر في حديث جبريل - عليه السلام - ، وفي حديث أبي موسى الأشعري ، وعمرو بن العاص وغيرهم : أن آخر وقت العصر [ ص: 226 ] إنما هو المثلان ، أو إذا اصفرت الشمس - على اختلاف الألفاظ - ، وقوله : " الوقت فيما بين هذين " . ثم جاء من حديث أنس الذم والتهديد والذم لمن يؤخر العصر إلى أن تكون الشمس بين قرني شيطان . وظاهر هذه الأحاديث يدل : على أن ما بعد هذه الحدود ليس وقتا للصلاة ، ولا يكون موقعها فيها مدركا لها ، وظاهر الحديث الأول : أنه يكون مدركا . فرأى أصحابنا : أن الوقت الأول المحدد ، وهو الوقت الأصلي لكافة المكلفين ، وهم السالمون عن الأعذار ، وأن الوقت الثاني لأصحاب الأعذار المذكورين . وهذه طريقة في الجمع حسنة ، والجمع أولى من الترجيح ، غير أن أصحابنا جزموا بهذا الأصل ; حيث جعلوا من ترك الصلاة متعمدا حتى بلغ بها إلى وقت الضرورة ، فصلاها مؤديا ، مع أنه قد عصى ، وذم بإخراج الصلاة عن آخر وقت توسعتها . وإذا كان هذا فلا معنى لتخصيصه بأصحاب الأعذار .

                                                                                              ثم هذه الركعة التي يدركون بها الوقت ، هي قدر ما يكبر فيه للإحرام ، ويقرأ أم القرآن قراءة معتدلة ، ويركع ، ويرفع ، ويسجد سجدتين يفصل بينهما ، ويطمئن في كل ذلك - على قول من أوجب الطمأنينة - ، وعلى قول من لا يوجب قراءة أم القرآن في كل ركعة ، يكفيه قدر تكبيرة الإحرام والوقوف لها . وأشهب لا يراعي إدراك السجود بعد الركعة . وسبب الخلاف : هل المفهوم من اسم الركعة الشرعية ، أم اللغوية ؟ [ ص: 227 ] وأما الركعة التي يدرك بها فضيلة الجماعة وحكمها ، بأن يكبر لإحرامه قائما ، ثم يركع ، ويمكن يديه من ركبتيه قبل رفع الإمام رأسه . وهذا مذهب الجمهور ; مالك وغيره . وروي عن أبي هريرة : أنه لا يعتد بالركعة ما لم يدرك الإمام قائما قبل أن يركعها معه ، وروي معناه عن أشهب . وروي عن جماعة من السلف : أنه متى أحرم والإمام راكع أجزأه ، وإن لم يدرك الركوع ، وركع بعد الإمام - كالناعس - اعتد بالركعة . وقيل : يجزئه وإن رفع الإمام ، ما لم يرفع الناس . وقيل : تجزئه إن أحرم قبل سجود الإمام . حكى هذه الأقوال القاضي عياض .

                                                                                              وقوله : من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ، ظاهر هذا : أن لها وقت ضرورة كالعصر ، وهو أحد القولين عندنا ، وقيل : ليس للصبح وقت ضرورة ، بخلاف العصر ، والأول أظهر .




                                                                                              الخدمات العلمية