الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        2604 - حدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن عثمان بن الأسود ، قال : سمعت عطاء يقول : صلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأصحابه ، فسلم في ركعتين ثم انصرف ، فقيل له ذلك فقال : إني جهزت عيرا من العراق بأحمالها وأحقابها حتى وردت المدينة فصلى بهم أربع ركعات .

                                                        [ ص: 449 ] فدل ترك عمر رضي الله عنه لما قد علمه من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل هذا ، وعمله بخلافه على نسخ ذلك عنده ، وعلى أن الحكم كان في تلك الحادثة في زمنه ، بخلاف ما كان في يوم ذي اليدين .

                                                        وقد كان فعل عمر رضي الله عنه هذا أيضا بحضرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين قد حضر بعضهم فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذي اليدين في صلاته ، فلم ينكروا ذلك عليه ، ولم يقولوا له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فعل يوم ذي اليدين خلاف ما فعلت .

                                                        فدل ذلك أيضا على أنهم قد كانوا علموا من نسخ ذلك ما قد كان عمر رضي الله عنه علمه .

                                                        ومما يدل أيضا على أن ذلك منسوخ ، وأن العمل على خلافه أن الأمة قد أجمعت من الأفعال أن رجلا لو ترك إمامه من صلاته شيئا أنه يسبح به ، ليعلم إمامه [ما] قد ترك ، فيأتي به ، وذو اليدين فلم يسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ، ولا أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم كلامه إياه .

                                                        فدل ذلك أيضا أن ما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس من التسبيح لنائبة تنوبهم في صلاتهم كان متأخرا عن ذلك .

                                                        وفي حديث أبي هريرة أيضا وعمران رضي الله عنهما ما يدل على النسخ وذلك أن أبا هريرة رضي الله عنه قال : سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركعتين ، ثم مضى إلى خشبة في المسجد . وقال عمران : ثم مضى إلى حجرته .

                                                        فدل ذلك على أنه قد كان صرف وجهه عن القبلة ، وعمل عملا في الصلاة ليس منها من المشي وغيره .

                                                        فيجوز هذا لأحد اليوم أن يصيبه ذلك وقد بقيت عليه من صلاته بقية ، فلا يخرجه ذلك من الصلاة .

                                                        فإن قال قائل : نعم ، لا يخرجه ذلك من الصلاة ، لأنه فعله ولا يرى أنه في الصلاة .

                                                        لزمه أن يقول : لو طعم أيضا أو شرب وهذه حالته ، لم يخرجه ذلك من الصلاة ، وكذلك إن باع أو اشترى أو جامع أهله ، فكفى بقوله فسادا أن يلزم هذا قائله .

                                                        فإن كان شيء مما ذكرنا ، يخرج الرجل من صلاته ، إن فعله على أنه يرى أنه ليس فيها كذلك الكلام الذي ليس منها يخرجه من صلاته وإن كان قد تكلم به ، وهو لا يرى أنه فيها .

                                                        وقد زعم القائل بحديث ذي اليدين أن خبر الواحد يقوم به الحجة ، ويجب به العمل ، فقد أخبر ذو اليدين رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أخبره به ، وهو رجل من أصحابه مأمون ، فالتفت بعد إخباره إياه بذلك إلى أصحابه فقال : أقصرت الصلاة ؟ .

                                                        فكان متكلما بذلك بعد علمه بأنه في الصلاة ، على مذهب هذا المخالف لنا فلم يكن ذلك مخرجا له من الصلاة . فقد لزمه بهذا على أصله أن ذلك الكلام كان قبل نسخ الكلام في الصلاة .

                                                        وحجة أخرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أقبل على الناس فقال : أصدق ذو اليدين قالوا : نعم .

                                                        وقد كان يمكنهم أن يومئوا إليه بذلك فيعلمه منهم ، فقد كلموه بما كلموه به ، على علم منهم أنهم في الصلاة ، فلم ينكر ذلك عليهم ، ولم يأمرهم بالإعادة . [ ص: 450 ] فدل ذلك أن ما ذكرنا ، مما كان في حديث ذي اليدين ، كان قبل نسخ الكلام .

                                                        فإن قال قائل : وكيف يجوز أن يكون هذا قبل نسخ الكلام في الصلاة وأبو هريرة رضي الله عنه قد كان حاضرا ذلك ، وإسلام أبي هريرة رضي الله عنه إنما كان قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين ؟

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية