الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          النوع الثاني : أن يصالح عن الحق بغير جنسه فهو معاوضة ، فإن كان بأثمان عن أثمان فهو صرف ، وإن كان بغير الأثمان فهو بيع ، وإن كان بمنفعة كسكنى دار فهو إجارة تبطل بتلف الدار كسائر الإجارات ، وإن صالحت المرأة بتزويج نفسها ، صح ، فإن كان الصلح عن عيب في مبيعها فتبين أنه ليس بعيب رجعت بأرشه لا بمهرها ، وإن صالح عما في الذمة بشيء في الذمة ، لم يجز التفرق قبل القبض ، لأنه بيع دين بدين ويصح الصلح عن المجهول بمعلوم إذا كان مما لا يمكن معرفته للحاجة .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( النوع الثاني ) من صلح الإقرار ( أن يصالح عن الحق بغير جنسه فهو معاوضة ) ، كما لو اعترف له بعين في يده ، أو دين في ذمته ، ثم يعوضه عنه بما يجوز تعويضه ، وهو ينقسم إلى أقسام نبه عليها بقوله : ( فإن كان بأثمان عن أثمان فهو صرف ) ، لأنه بيع أحد النقدين بالآخر فيشترط له القبض في المجلس ونحوه ( وإن كان بغير الأثمان فهو بيع ) ، لأنه مبادلة المال بالمال ، وهو موجود هنا ، وفيه شيء ولو قال : ( بعرض فبيع ) لكان أولى ، فعلى هذا يشترط فيه العلم به كالمبيع ويصح بلفظ الصلح في ظاهر كلامه ، وهو المذهب .

                                                                                                                          فرع : إذا صالح عن دين فيجوز بغير جنسه مطلقا ويحرم بجنسه بأكثر ، أو أقل على سبيل المعاوضة ، وبشيء في الذمة يحرم التفرق قبل القبض ( وإن كان [ ص: 283 ] بمنفعة كسكنى دار ) ، أو خدمة عبد ، أو يعمل له عملا معلوما ( فهو إجارة ) ، لأنها بيع المنافع ( تبطل بتلف الدار كسائر الإجارات ) ، فإن تلفت قبل استيفاء شيء من المنفعة انفسخت ورجع بما صالح عنه وبعد استيفاء بعضها ينفسخ فيما بقي منها ويرجع بقسط ما بقي ، وقيل : تبطل بناء على تفريق الصفقة ، وقيل : إن صالح عن دين ، أو عين بخدمة ، أو سكنى ، صح ، فإن تلفت العين قبل الانتفاع بطل الصلح ورجع بمقابله ، وإن كان عن إنكار رجع بالدعوى ، وإن كان عن إقرار رجع فيما أقر له به ، وإن كان استوفى البعض رجع ببقية حقه .

                                                                                                                          مسألتان : الأولى : إذا صالحه على أن يزوجه أمته ، صح بشرطه وكان المصالح عنها صداقها ، فإن انفسخ النكاح قبل الدخول بأمر يسقط الصداق رجع الزوج بما صالح عنه ، وإن طلقها قبل الدخول رجع بنصفه .

                                                                                                                          الثانية : إذا صالحه بخدمة عبد سنة ، صح وكانت إجارة ، فإن أعتق العبد في أثناء المدة ، صح عتقه وللمصالح أن يستوفي نفعه في المدة ، ولا يرجع العبد على سيده بشيء ، لأنه ما أزال ملكه بالعتق إلا عن الرقبة ، والمنافع حينئذ مملوكة لغيره ، ولأنه أعتقه مسلوب المنفعة ، فلم يرجع بشيء ، كما لو أعتق زمنا ، أو أمة مزوجة ، وقيل : يرجع على سيده بأجرة مثله .

                                                                                                                          ( وإن صالحت المرأة ) أي : بعد اعترافها له بدين ، أو عين ( بتزويج نفسها ، صح ) ، ويكون صداقا لها ، لأن عقد التزويج يقتضي عوضا ، فإذا جعلت ذلك عوضا عن الحق الذي عليها ، صح كغيره ( فإن كان الصلح عن عيب في مبيعها [ ص: 284 ] فتبين أنه ليس بعيب ) كبياض في عين الرقيق ظنه عمى ، وانتفاخ بطن الأمة يظنها حاملا ( رجعت بأرشه ) أي : بأرش العيب ، لأنه صداقها ( لا بمهرها ) أي : مهر مثلها ، وحينئذ مهرها أرشه ، صرح به في " المحرر " ، و " الفروع " ، فعلى هذا إن كان موجودا ، ثم زال كمبيع كان مريضا فعوفي لا شيء لها ، لأن زوال العيب بعد ثبوته حال العقد لا يوجب بطلان الأرش لا يقال : قياس ما تقدم في المصراة أنه إذا صار لبنها عادة وطلقت المزوجة يمتنع الرد ، فإذا زال العيب تعين أن لا أرش ، لأن الرد فسخ للملك بسبب العيب فيستدعي مردودا بخلاف الأرش ، فإنه عوض عما فات من العيب ، فلم يسقط وقت العقد بزواله بعده ( وإن صالح عما في الذمة بشيء في الذمة لم يجز التفرق قبل القبض ، لأنه بيع دين بدين ) ، وهو منهي عنه شرعا ، ولأنه إذا حصل التفرق قبل القبض كان كل واحد من العوضين دينا ، لأن محله الذمة ( ويصح الصلح عن المجهول ) عينا كان ، أو دينا سواء جهلاه ، أو جهله من عليه الحق ( بمعلوم ) ، نص عليه بنقد ونسيئة بشرط ( إذا كان مما لا يمكن معرفته ) أي : يتعذر علمه . قال أحمد في الرجل يصالح عن الشيء : فإن علم أنه أكثر منه لم يجز إلا أن يوقفه إلا أن يكون مجهولا لا يدرى لقوله عليه السلام لرجلين اختصما في مواريث درست بينهما : استهما وتوخيا الحق وليحلل أحدكما صاحبه . رواه أحمد ، وأبو داود ، ولأنه إسقاط حق ، فصح في المجهول كالعتاق ، والطلاق ( للحاجة ) ، ولأنه إذا صالح مع العلم وإمكان أداء الحق بعينه فلأن يصح مع الجهل أولى ، ولو قيل بعدم جوازه لأفضى إلى ضياع الحق ، ولا نسلم أنه فرع البيع ، فإن البيع يصح في المجهول عند الحاجة كأساسات الحائط وطي [ ص: 285 ] البئر ، وظاهره أنه إذا كان الصلح بمجهول أنه لا يصح ، لأن تسليمه واجب ، والجهالة تمنعه ، وإن لم يتعذر علمه فكبراءة من مجهول ، وظاهر نصوصه أنه لا يصح ، وهو ظاهر ما جزم به في " الإرشاد " وقطع به الشيخان ، و " الشرح " لعدم الحاجة قال أحمد : إن صولحت المرأة من ثمنها لم يصح الصلح واحتج بقول شريح ، ولأن المبيح للصلح الحاجة وهي منتفية هنا ، فلم يصح كالبيع وخرج في " التعليق " ، و " الانتصار " في صلح المجهول ، والإنكار من البراءة من المجهول عدم الصحة وخرجه في " التبصرة " من الإبراء من عيب لم يعلما به ، وقيل : لا يصح عن أعيان مجهولة لكونه إبراء وهي لا تقبل .




                                                                                                                          الخدمات العلمية