الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل ومن فك عنه الحجر فعاود السفه أعيد الحجر عليه ، ولا ينظر في ماله إلا الحاكم ، ولا ينفك عنه إلا بحكمه ، وقيل : ينفك عنه بمجرد رشده ويستحب إظهار الحجر عليه ، والإشهاد عليه ويصح تزوجه بإذن وليه ، وقال القاضي : يصح إذنه وهل يصح عتقه على روايتين ، وإن أقر بحد ، أو قصاص ، أو نسب ، أو طلق زوجته أخذ به ، وإن أقر بمال لم يلزمه في حال حجره ، ويحتمل أن لا يلزمه مطلقا وحكم تصرف وليه حكم تصرف ولي الصبي والمجنون .

                                                                                                                          [ ص: 342 ]

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          [ ص: 342 ] فصل

                                                                                                                          ( ومن فك عنه الحجر ) لرشده ، أو بلوغه ودفع إليه ماله ( فعاود السفه أعيد الحجر عليه ) في قول الجماهير لما روى عروة بن الزبير أن عبد الله بن جعفر ابتاع بيعا فقال علي : لآتين عثمان ليحجر عليك ، فأتى عبد الله بن جعفر الزبير فذكر ذلك له ، فقال الزبير : أنا شريكك في البيع فأتى علي عثمان فذكر له القضية ، فقال الزبير : أنا شريكه في البيع ، فقال عثمان : كيف أحجر على رجل شريكه الزبير . رواه الشافعي قال أحمد : لم أسمع هذا إلا من أبي يوسف القاضي ، وهذه قضية اشتهرت ، ولم تنكر فكانت إجماعا ، ولأنه سفيه فيحجر عليه ، كما لو بلغ سفيها نظرا إلى دوران الحكم مع العلم ، والحاجر هنا الحاكم نقله الجماعة ، وهو وليه ، وقيل : أو أبوه ، وقيل : إن زال الحجر برشده بلا حكم عاد بمجرده . وجه الأول أن التبذير يختلف فيحتاج إلى الاجتهاد ، وإذا افتقر السبب إلى الاجتهاد لم يثبت إلا بحكم الحاكم ، كالحجر على المفلس بخلاف الجنون ، فإنه لا يفتقر إلى الاجتهاد بغير خلاف .

                                                                                                                          فرع : لو فسق ، ولم يبذر لم يحجر عليه ، وإن اعتبر في رشده إصلاح دينه فوجهان ( ولا ينظر في ماله إلا الحاكم ) ، لأن الحجر عليه يفتقر إلى الحاكم ، فكذا النظر في ماله ( ولا ينفك عنه ) أي : عن السفيه ( إلا بحكمه ) على الصحيح ، لأنه حجر ثبت بحكمه ، فلم يزل إلا به كالمفلس ، وقيل : ينفك عنه ( بمجرد رشده ) . قاله أبو الخطاب ، لأن سبب الحجر زال فيزول بزواله ، كما [ ص: 343 ] في حق الصبي ، والمجنون . وجوابه بأن الرشد يفتقر إلى اجتهاد في معرفته وزوال تبذيره فكان كابتداء الحجر عليه ، وفارق الصبي والمجنون ، فإن الحجر عليهما بغير حكم حاكم فيزول بغير حكمه .

                                                                                                                          فرع : الشيخ الكبير ينكر عقله يحجر عليه . قاله أحمد يعني إذا كبر ، واختل كالمجنون لعجزه عن التصرف في ماله . ونقل المروزي أرى أن يحجر الابن على الأب إذا أسرف بأن يضعه في الفساد وشراء المغنيات ونحوه .

                                                                                                                          ( ويستحب إظهار الحجر عليه ) ليظهر أمره ( والإشهاد عليه ) ، وقد صرح بالعلة فقال ( لتجتنب معاملته ) ، وقد علم منه أن الإشهاد عليه ليس بشرط ، لأنه ينتشر أمره لشهرته ، وإن رأى الحاكم أن ينادى عليه بذلك ليعرفه الناس فعل . قاله في " الشرح " ( ويصح تزوجه بإذن وليه ) . قاله أبو الخطاب ، وقدمه في " الرعاية " ، لأنه لا يأذن إلا بما فيه مصلحة له ، وحاجته تدعو إليه ، وليس مآله إلى التبذير ، وظاهره أنه لا يصح بغير إذنه ، لأنه تصرف يجب به مال ، فلم يصح بغير إذن وليه كالشراء ( وقال القاضي : يصح من غير إذنه ) جزم به في " الوجيز " ، وصححه في " الفروع " ، لأنه عقد غير مالي ، فصح منه كخلعه وطلاقه ، ولزوم المال فيه بطريق الضمن ، وفي إجباره وجهان ، فإن أذن ففي لزومه تعيين المرأة وجهان ويتقيد بمهر المثل ويحتمل لزومه زيادة إذن فيها ، كتزويجه بها في وجه ، فإن عضله استقل ، وإن علم أنه يطلق اشترى له جارية ، وإن خالع على مال لم يدفع إليه ، وقال القاضي : بلى ، فعلى الأول إذا أتلفه بعد قبضه لا ضمان عليه ، ولا تبرأ المرأة بدفعه إليه ، وهو من ضمانها إن أتلفه ، أو تلف [ ص: 344 ] في يده ، لأنها سلطته عليه ( وهل يصح عتقه ؛ على روايتين ) أرجحهما ، وجزم به في " الوجيز " أنه لا يصح ، لأنه تبرع أشبه هبته ووقفه ، ولأنه محجور عليه لحفظ ماله ، فلم يصح كعتق الصبي ، والثانية : بلى ، لأنه عتق من مكلف تام الملك ، فصح كالمفلس ، والراهن ، ورد بأن الحجر عليهما لحق غيرهما ، وفي عتقهما خلاف ، وظاهره أنه يصح تدبيره ووصيته ، لأن ذلك محض مصلحة ، لأنه تقرب إلى الله تعالى بماله بعد غناه عنه ، وكذا يصح استيلاده وتعتق الأمة بموته ، لأنه إذا صح من المجنون فمن السفيه أولى .

                                                                                                                          فرع : يكفر بصوم كمفلس ، وإن فك حجره قبل تكفيره ، وقدر عتق ويستقل بما لا يتعلق بالمال مقصوده .

                                                                                                                          ( وإن أقر ) أي : المحجور عليه ( بحد ) أي : بما يوجبه كالزنا ، والسرقة ( أو قصاص ، أو نسب ، أو طلق زوجته أخذ به ) قال ابن المنذر : هو إجماع من نحفظ عنه لأنه غير متهم في نفسه ، والحجر إنما يتعلق بماله فنقل على نفسه ، إذ الحجر لا تعلق له به ، والطلاق ليس بتصرف في المال ، فلا يمنع كالإقرار بالحد ، بدليل أنه يصح من العبد بغير إذن سيده مع منعه من التصرف في المال .

                                                                                                                          تنبيه : لو أقر بما يوجب قصاصا فعفى المقر له على مال فوجهان ( وإن أقر بمال ) كالدين ، أو ما يوجبه كجناية الخطأ وشبه العمد وإتلاف المال وغصبه ( لم يلزمه في حال حجره ) ، لأنه محجور عليه لحظه ، أشبه الصبي ، ولو قتلناه في الحال لزال معنى الحجر ، وظاهره أنه يلزمه ما أقر به بعد فك الحجر عنه في قول عامة الأصحاب ، لأنه مكلف فيلزمه ما أقر به عند زواله كالراهن ، والمفلس ( ويحتمل أن لا يلزمه مطلقا ) ، اختاره المؤلف ونصره في " الشرح " ، لأن المنع من [ ص: 345 ] نفوذ إقراره في حال الحجر عليه حفظ ماله ودفع الضرر عنه ، ونفوذه بعد فكه عنه لا يفيد إلا تأخير الضرر عليه إلى أكمل حالتيه ، لكن إن علم صحة ما أقر به كدين جناية ونحوه لزمه أداؤه ، ذكره في " الشرح " ، و " الوجيز " ( وحكم تصرف وليه حكم تصرف ولي الصبي ، والمجنون ) على ما سلف ، لأن ولايته على السفيه لحظه ، أشبه ولي الصبي .




                                                                                                                          الخدمات العلمية