الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل جفاف جزء من العضو يخل بالموالاة في الوضوء

السؤال

اكتشفت -والله أعلم-أن صلواتي في السنوات السابقة كانت على غير طهارة، وعلى إثرها أصبت بالوسواس خوفا من تكرار نفس الخطأ. فأصبت بجميع أنواع الوسوسة، وآخرها وسواس الحائل, الجروح كثرت في جسمي لأنني أقشر جلدي، أصبحت بمجرد أن أرى بقعة أقشرها، وأحيانا يظهر دم، وأكتشف بأنها من نفس الجلد ولم تكن حائلا، وعندما يتخثر الدم أنزعه لخوفي أن يكون دما متجمدا يمنع من وصول الماء.
فهل ضابط الحائل أن يكون من خارج الجسم وليس ناتجا من الجسم نفسه، وأنا لدي عادة سيئة وهي قضم الجلد حول الأظافر، وكلما أردت أن أتوضأ أظل ساعة في غسل يدي وأصابعي لأتأكد من وصول الماء للجلد المتدلي وحول الظفر وداخله.
وسؤال آخر: بعد غسل يدي وعندما أصل إلى الرجل تكون هناك بقعة قد جفت على اليد نتيجة الحركة، أو وقوع الملابس عليها مثلا أثناء الوضوء.
هل هذا يخل بشرط الموالاة أم يجب أن يجف العضو كاملا ؟ وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

يبدو من خلال أسئلتك السابقة أن لديك وساوس كثيرة مستحكمة، وعليه فقد يكون اكتشاف عدم صحة الصلوات السابقة سببه الوسواس والاسترسال معه، ومن المعلوم أن الشك الحاصل بعد الفراغ من العبادة لا يؤثر على صحتها.
وقد حذرنا في الكثير من الفتاوى السابقة من الوساوس، وبينا فيها أنه لا علاج لها مثل تجاهلها وعدم الالتفات إليها.

والذي نستطيع قوله للأخت وغيرها ممن تتعبه الوساوس والتكلف في الطهارة وغيرها من العبادات: إن هذا الدين يسر، وإن الله تعالى رحيم بعباده لطيف بهم، فلا يكلف نفسا إلا وسعها، فعليك أن تطرحي عنك الوسواس، وأن تؤدي الطهارة بصورة طبيعية، فالوضوء سهل يسير والحمد لله تعالى، ولا يشترط اليقين لوصول الماء للبشرة بل تكفي غلبة الظن، والاسترسال مع الوسواس من أعظم أسباب الشر.

يقول شيخ الإسلام رحمه الله واصفا علاج الوسوسة: وهذا الوسواس يزول بالاستعاذة وانتهاء العبد، وأن يقول إذا قال لم تغسل وجهك : بلى قد غسلت وجهي . وإذا خطر له أنه لم ينو ولم يكبر يقول بقلبه: بلى قد نويت وكبرت. فيثبت على الحق ويدفع ما يعارضه من الوسواس، فيرى الشيطان قوته وثباته على الحق فيندفع عنه، وإلا فمتى رآه قابلا للشكوك والشبهات مستجيبا إلى الوساوس والخطرات أورد عليه من ذلك ما يعجز عن دفعه وصار قلبه موردا لما توحيه شياطين الإنس والجن من زخرف القول وانتقل من ذلك إلى غيره إلى أن يسوقه الشيطان إلى الهلكة. انتهى. وللفائدة انظري الفتوى رقم: 186557.

ثم إن ما تقومين به تقشير الجلد لأجل الطهارة وقضاء الوقت الطويل في غسل الأصابع، يعتبرمن التنطع والتكلف في الدين، وهو أمرمذموم شرعا لا سيما إذا وصل الأمر إلى هذه الدرجة.

قال النووي في المجموع: قَالَ أَبُو اللَّيْثِ الْحَنَفِيُّ فِي نَوَازِلِهِ: لو كان في الإنسان قرحة فبرأت وَارْتَفَعَ قِشْرُهَا، وَأَطْرَافُ الْقُرْحَةِ مُتَّصِلَةٌ بِالْجِلْدِ إلَّا الطَّرَفَ الَّذِي كَانَ يَخْرُجُ مِنْهُ الْقَيْحُ، فَإِنَّهُ مُرْتَفِعٌ وَلَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَى مَا تَحْتَ القشرة، أجزأه وضوءه وفي مَعْنَاهُ الْغُسْلُ. انتهى.

وقد تمت إجابتك عما يتعلق بحكم الطهارة مع وجود القشر على الجروح في الفتوى رقم: 122148 ، كما سبق بيان ضابط ما يحول دون وصول الماء إلى البشرة، في الفتوى رقم: 24287.

أما عن الجزء الأخير من السؤال، فإن جفاف عضو أو بقعة أثناء الوضوء لا يؤثر على صحته لوجود الموالاة والفورية، وإنما اعتبر جفاف العضو مخلا بصحة الوضوء في حال التفريق بين غسل الأعضاء بناء على القول بوجوب الموالاة بين غسل الأعضاء، وقد اختلف القائلون بوجوبها في الضابط الذي يحصل به التفريق، وتفوتُ به الموالاة، فقيل مرد ذلك إلى العرف والعادة، وهو الذي رجحه العلامة العثيمين رحمه الله، وقيل بل ضابطه ألا يجف العضو في الزمن المعتدل، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 121906.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني