الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا يحق للولد هجر أبيه مهما كانت حالته

السؤال

أيها الأفاضل وجزاكم الله ألف خير قبل كل شيء وبصراحة الموقع به معرفة جهورية.
أما سؤالي فإنه عن أبي: أبي من النوع الذي يزعل ولا يسأل عنا أنا وإخوتي ولو بلغ الأمر مهما بلغ، وكنت أتحمل كل هذا منه طوال تلك الفترة الماضية وحاول أن يتعرض لمصالحي في أمور عديده والله يعلم أنني لم أسئ له في شيء من حقوقة بل إنه كان سببا في فراق أمي منه وعشت مع أمي من وأنا كان سني الخامسة وأنا الآن أبلغ السادسة العشرين، و منذ أكثر من شهرين لاحظت منه حتى امتنع عن الكلام معي، وأنا بصراحة تركته وأتمنى من ربي لو يرجع يوما ما، ولكنه هو على هذه الحالة ولم يسأل عني، السؤال هو: هل أعتبر هنا أنا الغلطان وعاقا لأبي وسوف يجازيني ربي عليه؟ أم ماذا علي أن أفعل، فأرجو الإفادة؟ وشكراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فأعلم أنه ليس للولد الحق في أن يهجر أباه مهما كانت حالة الأب وسوء معاملته للابن، بل الواجب أن يتقرب إليه، ويترضاه ويعتذر له عما أغضبه عليه، فإن بر الأب ومصاحبته بالمعروف من آكد الواجبات، كيفما كانت قسوته في معاملته لأبنائه، قال الله تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ* وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان:14-15}، وقال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا {الإسراء:23-24}.

وأخرج الإمام مسلم وأحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف، قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة.

وعليه؛ فما كنت تتحمله من أبيك منذ بداية طفولتك، وما قلت إنه يحاوله من التعرض لمصالحك، وما لا حظته الآن من أنه امتنع عن الكلام معك... كل هذا لا يبيح لك أن تتركه ولو تركك ولم يسأل عنك.

واعلم أنك إذا عاملت أباك بمثل ما عاملك به من القطيعة أو غيرها ستعتبر دائماً أنت العاق، وإن لم يغفر لك الله ذلك فسوف تجزى بما تستحق، فبادر إلى ترضية أبيك والقرب منه، وقابل قطيعته لك بالاقتراب والاعتذار، واخفض له الجناح مهما كانت قسوته.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني