الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                فأما إذا كان على حكم العباد بأن استنزلوهم على حكم رجل فهذا لا يخلو من أحد وجهين ( إما ) أن استنزلوهم على حكم رجل معين ، بأن قالوا : على حكم فلان لرجل سموه ( وإما ) أن استنزلوهم على حكم رجل غير معين ، فإن كان الاستنزال على حكم رجل معين فنزلوا على حكمه ، فحكم عليهم بشيء مما ذكرنا ، وهو رجل عاقل مسلم عدل ، غير محدود في قذف ، جاز بالإجماع ; لما روي { أن بني قريظة لما حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين ليلة ، استنزلوا على حكم سعد بن معاذ ، فحكم سعد أن تقتل رجالهم ، وتقسم أموالهم ، وتسبى نساؤهم وذراريهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد حكمت بحكم الله - تعالى - من فوق سبعة أرقعة } فقد استصوب رسول الله صلى الله عليه وسلم حكمه ، حيث أخبر عليه الصلاة والسلام أن ما حكم به حكم الله - سبحانه وتعالى - لأن حكم الله - سبحانه وتعالى - لا يكون إلا صوابا .

                                                                                                                                وليس للحاكم أن يحكم بردهم إلى دار الحرب فإن حكم فهو باطل ; لأنه حكم غير مشروع لما بينا ; لأنهم بالرد يصيرون حربيين لنا ، وإن كان الحاكم عبدا أو صبيا لم يجز حكمه بالإجماع كان فاسقا ، أو محدودا في القذف ، لم يجز حكمه عند أبي يوسف وعند محمد يجوز .

                                                                                                                                ( وجه ) قول محمد - رحمه الله - أن الفاسق يصلح قاضيا ، فيصلح حكما بالطريق الأولى .

                                                                                                                                ( وجه ) قول أبي يوسف أن المحدود في القذف لا يصلح حكما ; لأنه ليس من أهل الولاية ، ولهذا لم يصلح قاضيا ، وكذا الفاسق لا يصلح حكما وإن صلح قاضيا ، لكنه لا يلزم قضاؤه ، ولهذا لو رفعت قضية إلى قاض آخر ، إن شاء أمضاه وإن شاء رده ، وإن كان ذميا جاز حكمه في الكفرة ; لأنه من أهل الشهادة على جنسه ، وإن نزلوا على حكم رجل يختارونه ، فاختاروا رجلا فإن كان موضعا للحكم جاز حكمه .

                                                                                                                                وإن كان غير موضع للحكم لا يقبل منهم حتى يختاروا رجلا موضعا للحكم ، فإن لم يختاروا أبلغهم الإمام مأمنهم ; لأن النزول كان على شرط ، وهو حكم رجل يختارونه ، فإذا لم يختاروا فقد بقوا في يد الإمام بالأمان ، فيردهم إلى مأمنهم ، إلا أنه لا يردهم إلى حصن هو أحصن من الأول ، ولا إلى حد يمتنعون به ; لأن الرد إلى المأمن للتحرج عن توهم العذر ، وأنه يحصل بالرد إلى ما كانوا عليه ، فلا ضرورة في الرد إلى غيره ، وإن نزلوا على حكم رجل غير معين فللإمام أن يعين رجلا صالحا للحكم فيهم ، أو يحكم للمسلمين بنفسه بما هو أفضل لهم والله - سبحانه وتعالى - أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية