الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما العتاق فلما روي { أن رجلا جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال : علمني عملا يدخلني الجنة فقال : اعتق النسمة وفك الرقبة فقال : أوليسا واحدا ؟ فقال : عليه الصلاة والسلام لا عتق النسمة أن تفرد بعتقها ، وفك الرقبة أن تعين في عتقها } ، وغيره من الأحاديث التي فيها الندب إلى الإعتاق من غير فصل بين المكره والطائع ، ولأن الإعتاق تصرف قولي فلا يؤثر فيه الإكراه كالطلاق ثم لا يخلو .

                                                                                                                                إما أن كان على تنجيز العتق بشرط أو على شرط العتق المعلق به أما إذا كان الإكراه على تنجيز العتق فأعتق يضمن المكره قيمة العبد موسرا كان أو معسرا ، ولا يرجع المكره على العبد بالضمان ، ولا سعاية على العبد والولاء لمولاه ، أما وجوب الضمان على المكره فلأن العبد آدمي هو مال ، والإعتاق إتلاف المالية ، والأموال مضمونة على المكره بالإتلاف فكان الضمان على المكره كما في سائر الأموال ويستوي فيه يساره وإعساره [ ص: 183 ] لأن ضمان الإتلاف لا يختلف باليسار والإعسار ولا يرجع على العبد بالضمان ; لأن سبب وجوب الضمان منه باختياره فلا معنى للرجوع إلى غيره والولاء للمكره ; لأن الإعتاق من حيث هو كلام مضاف إلى المكره لاستحالة ورود الإكراه على الأقوال فكان الولاء له ، ولا سعاية على العبد ; لأن العبد إنما يستسعى إما لتخريجه إلى العتق تكميلا له ، وإما لتعليق حق الغير به ، وقد عتق كله فلا حاجة إلى التكميل ، وكذا لا حق لأحد تعلق به فلا سعاية عليه .

                                                                                                                                ولو أكره على شراء ذي رحم محرم منه عتق عليه ; لأن شراء القريب إعتاق بالنص والإكراه لا يمنع جواز الإعتاق لكن لا يرجع المكره ههنا بقيمة العبد على المكره ; لأنه حصل له عوض وهو صلة الرحم ، ولو كان العبد مشتركا بين اثنين فأكره أحدهما على إعتاقه فأعتقه جاز عتقه ، لما ذكرنا أن الإكراه لا يمنع جواز الإعتاق لكن يعتق نصفه عند أبي حنيفة رضي الله عنه وعندهما يعتق كله بناء على أن الإعتاق يتجزأ عنده ، وعندهما لا يتجزأ .

                                                                                                                                ولا يضمن الشريك المكره للشريك الآخر نصيبه ، ولكن يضمن المكره نصيب المكره ; لأن الإعتاق من حيث هو إتلاف المال مضاف إلى المكره فكان المتلف من حيث المعنى هو المكره فكان الضمان عليه سواء كان موسرا أو معسرا ، وهذا بخلاف حالة الاختيار إذا أعتقه أحد الشريكين أنه لا يضمن لشريكه الساكت إذا كان المعتق معسرا وههنا يضمن موسرا كان أو معسرا ; لأن الضمان الواجب على المكره ضمان إتلاف على ما مر ، والأصل أن ضمان الإتلاف لا يختلف باليسار والإعسار ، فالواجب على أحد الشريكين حالة الاختيار ليس بضمان إتلاف ; لانعدام الإتلاف منه في نصيب شريكه أما على أصل أبي حنيفة رضي الله عنه فظاهر ; لأنه لا يعتق نصيب شريكه .

                                                                                                                                وأما على أصلهما فإن عتق لكن لا بإعتاقه ; لأن إعتاقه تصرف في ملك نفسه إلا أنه عتق نصيب شريكه عند تصرفه لا بتصرفه فلا يكون مضافا إليه كمن حفر بئرا في دار نفسه فوقع فيها غيره أو سقى أرض نفسه ففسدت أرض غيره حتى لا يجب عليه الضمان إلا أن وجوب الضمان على أحد الشريكين حالة الاختيار عرف شرعا .

                                                                                                                                والشرع ورد به على الموسر فيقتصر على مورد الشرع ، وشريك المكره بالخيار إن شاء أعتق نصيبه ، وإن شاء دبره ، وإن شاء كاتبه ، وإن شاء استسعاه معسرا كان المكره أو موسرا ، وإن شاء ضمن المكره إن كان موسرا ، فإن اختار تضمين المكره فالولاء بين المكره والمكره ; لأنه انتقل نصيبه إليه باختيار طريق الضمان ، وإن اختار الإعتاق أو السعاية فالولاء بينه وبين شريكه ، وهذا قول أبي حنيفة رضي الله عنه وعندهما إن كان المكره موسرا فلشريك المكره أن يضمنه لا غير ، وإن كان معسرا فله أن يستسعي العبد لا غير كما في حالة الاختيار ، وموضع المسألة في كتاب العتاق ، وإنما ذكرنا بعض ما يختص بالإكراه والله تعالى الموفق .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية