[ أقسام الإنشاء ] إذا علمت هذا ، فاعلم أنهم اتفقوا على أن : القسم ، والأوامر والنواهي والترجي ، والتمني والعرض والتحضيض ، والفرق بين هذين الأخيرين : أن العرض طلب بلين ، بخلاف التحضيض ، والفرق بين الترجي والتمني أن الترجي لا يكون في المستحيلات ، والتمني يكون فيها وفي الممكنات ، وقال أقسام الإنشاء التنوخي في الأقصى القريب " : المتمنى يكون متشوفا للنفس ، والمرجو قد لا يكون كذلك ، ويكون المرجو متوقعا ، والمتمنى قد لا يكون كذلك ، فالترجي أعم من التمني من وجه ، وذكر أن الاستعطاف نحو : بالله هل قام زيد ؟ قسم ، وقال الزمخشري ابن النحاس : الصحيح أنه ليس بقسم ; لكونه ليس خبرا . [ ص: 91 ]
وأما النداء نحو يا زيد ، فاتفقوا على أنه إنشاء ، لكن اختلفوا : فقيل : فيه فعل مضمر ، تقديره أنادي ، أو الحرف وحده مفيد للنداء . فقيل على الأول : لو كان الفعل مضمرا لقبل التصديق والتكذيب ، وأجاب بأن الفعل مضمر ، ولا يلزم قبوله لهما ; لأنه إنشاء ، والإنشاء لا يقبلهما ، واختلفوا في صيغ العقود كما سبق في مباحث اللغة ، ومما لم يسبق أن فصل الخطاب في ذلك كما قال بعضهم أن لهذه الصيغ نسبتين : نسبة إلى متعلقاتها الخارجية ، وهي من هذه الجهة إنشاءات محضة ، ونسبة إلى قصد المتكلم وإرادته ، وهي من هذه الجهة خبر عما قصد إنشاؤه ، فهي إخبارات بالنظر إلى معانيها الذهنية ، وإنشاءات بالنظر إلى متعلقاتها الخارجية ، وعلى هذا فإنما لم يحسن أن يقابل بالصدق والكذب ، وإن كانت أخبارا ; لأن متعلق التصديق والتكذيب النفي والإثبات ، ومعناهما مطابقة الخبر لمخبره أو عدم مطابقته ، وهناك المخبر عنه حصل بالخبر حصول المسبب لسببه ، فلا يتصور فيه تصديق ولا تكذيب ; وإنما يتصور التصديق والتكذيب في خبر لا يحصل مخبره ولم يقع به ، كقولك : قام زيد . المبرد
قال في كتبه النحوية : وهي مسلوبة الدلالة على الزمان ، وخالفه ابن الحاجب ابن مالك ، فقال : وهي ماضية اللفظ حاضرة المعنى ، ومن الإنشاءات الشرعية الظهار ، كما قاله الرافعي في كتاب الظهار ، وقيل في تقريره : لو كان خبرا لما أحدث حكما ، وحكى الرافعي في الفصل الثاني في التعلق بالمشيئة من كتاب الطلاق وجها أنه إخبار ، وهو الذي صرح به الغزالي في الوجيز " ونصره القرافي ، وغلط الأول ; لأن الله تعالى كذبهم بقوله : { وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا } [ ص: 92 ] وبقوله : { ما هن أمهاتهم } وقرره بعضهم بأن ثم ألفاظا أبقاها الشارع على مدلولها اللغوي ، ولكن من قالها يلزم بأمر ، فإذا قال : أنت علي كظهر أمي ، فهو باق على وضعه الأصلي ، وذلك كذب ، ولهذا أسماه الله : زورا ، وحكم الله فيمن كذب هذا الكذب الكفارة عند العود ، وكانت " علي حرام " باق على موضوعه ، وهو كذب ، وحكم الله فيمن قاله عندنا كفارة اليمين ، وليس ذلك كبعت ، واشتريت . فإن الشرع وضعهما لإحداث ما دلا عليه ، فالألفاظ ثلاثة : نحو : قام زيد ، وذلك خبر من كل وجه ، ونحو : بعت ، وذلك إنشاء محض ، ونحو : أنت علي كظهر أمي ، وذلك خبر . ومن الإنشاءات الشرعية الطلاق على المذهب .
ولا يقوم الإقرار مقامه ، نعم يؤاخذ ظاهرا بما أقر به ، وبعضهم جعل الإقرار على صيغته إنشاء في صور : منها إذا أقر بالطلاق ينفذ ظاهرا لا باطنا . وحكي وجه أنه يصير إنشاء حتى يحرم به باطنا . قال الإمام : وهو تلبيس ، فإن الإقرار والإنشاء يتنافيان ، فذلك إخبار عن ماض ، وهذا إحداث في الحال ، وذلك يدخله الصدق والكذب وهذا بخلافه ، ومنها حكم الإمام والقاضي إن كان في معرض الحكم ، فإن لم يكن ، فإن كان في معرض الحكايات والأخبار ، كقوله : لزيد على عمرو كذا ، وفلان طلق زوجته لم يكن حكما ، بل هو كغيره . ذكره الرافعي في باب الإقرار ، فإن قال بعده : أردت الحكم فيتجه الرجوع إليه ، وعلى هذا فإذا شككنا في ذلك لم يكن حكما ; لأن الأصل بقاؤه على الإخبار ، وعدم نقله ، ومنها قول الشاهد : أشهد إنشاء ; لأنه لا يدخله التكذيب شرعا ، وقيل : إخبار ، وقيل : إنشاء تضمن الإخبار عما في النفس ، وكأنه جمع بين القولين . [ ص: 93 ] واختلف أصحابنا في قول الملاعن : أشهد بالله ، هل هو يمين مؤكد بلفظ الشهادة ، أو يمين فيها ثبوت شهادة ، والأصح الأول .