الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      وقال ابن برهان في الوجيز " : إذا انعقد الإجماع ، وكان دليله مجهولا [ ص: 405 ] عند أهل العصر الثاني ، ووجدنا خبر واحد فهل يجب أن يكون الخبر مستنده أم لا ؟ نقل الشافعي أنه قال : لا بد أن يكون ذلك الخبر مستندا للإجماع ، وخالف في ذلك الأصوليون . ا هـ . وإنما قيد المسألة بخبر الواحد ; لأنه إذا كان الخبر متواترا فهو مستندهم بلا خلاف ، كما قال القاضي عبد الوهاب ، كما يجب عليهم العمل بموجب النص . قال : وإنما الخلاف في خبر الآحاد ، وهو ثلاثة أقسام : أن يعلم ظهوره بينهم والعمل بموجبه لأجله ، أو يعلم ظهوره بينهم والعمل بموجبه ولا يعلم أنهم عملوا لأجله ، أو لا يكون ظاهرا ، بل عملوا بما تضمنه . ففي القسم الثاني ثلاثة مذاهب ، ثالثها : إن كان على خلاف القياس فهو مستندهم ، وأما الثالث فلا يدل على أنهم عملوا من أجله ، وهل يدل إجماعهم على موجبه على صحته ؟ فيه خلاف . انتهى .

                                                      وقال إلكيا : إذا ظهر أن مستند الإجماع نص ، كان هو مستند الحكم ، ونحن إنما نتلقى الحكم من الإجماع إذا لم نر مستندا مقطوعا به ، فأما إذا أجمعت الأمة على موجب الخبر المروي من خبر الواحد ، فهل يدل القطعي على أن إجماعهم كان لأجله أم لا ؟ قال : فيه تفصيل ، وهو إن عملوا بما عملوا ، وحكموا مستندين إلى الخبر مصرحين بالمستند ، فلا شك ، وإن لم يظهر ذلك ، فالشافعي ( رحمه الله ) يقول في مواضع من كتبه : إن إجماعهم يصرف إلى الخبر ، وبه قال أبو هاشم ، وزاد عليه فقال : أجمعت الصحابة على القراض ، ولا خبر فيه ، فالظاهر أنهم أجمعوا عليه بخبر المساقاة ، ولكن اشتهر الإجماع في [ ص: 406 ] القراض ; لعموم البلوى به ، دون المساقاة . وذهب غيرهما إلى أنه يجوز أن يكون إجماعهم لأجل الاجتهاد ، أو لأجل خبر آخر لم ينقل ، ويبعد كل ذلك ليس خرقا للعادة ، وهذا لا دافع له إلا أن يقال : لا يجوز أن يجمعوا لأجل خبر ، ثم لا ينقل ما أجمعوا عليه ، وهذا لا يمشي إذ يمكن أن يقال : إجماعهم أعني نقل ما له أجمعوا . ا هـ . وما نقلاه عن الشافعي ، نقله في المحصول " عن أبي عبد الله البصري ، وخالفه ، والظاهر أن المراد أن ذلك على سبيل الظن الغالب ، لا أنه عنه حقيقة . وقال ابن برهان في الأوسط " : الخلاف لفظي لا فائدة له ; لأن الإجماع ينعقد عن الدليل القطعي والظني . قلت : ولها نظائر . منها أن عمل العالم أو فتياه على وفق حديث لا يكون حكما منه بصحة ذلك الحديث ; لإمكان أن يكون ذلك منه احتياطا أو لدليل آخر وافق ذلك الخبر ، وكذلك مخالفته للحديث ليست قدحا منه في صحته ، وقد سبق الخلاف فيها . ومنها الإجماع على وفق خبر لا يدل على صدقه ، وقد سبقت في باب الأخبار .

                                                      ومنها أن المجتهد إذا علل حكم الأصل بعلة مناسبة ، وألحق به الفرع ، فمنع الخصم كون العلة في الأصل هذه ، وقال : العلة غيرها ، لم يسمع منه ; لأن الأحكام لا بد لها من علة ، وقد وجدت علة مناسبة ، فليضف [ ص: 407 ] الحكم إليها ، إذ الأصل عدم ما سواها ، وهذا بخلاف المسألتين السابقتين . وقد يفرق بينهما بأن المسألة التي قام فيها الإجماع قد قامت الحجة على العمل بها ، والإضافة إلى الحديث من باب تكثير الدلائل لم يوجب أن يكون الإجماع عن ذلك الحديث ، إذ لا ضرورة تدعو إليه ، ولاحتمال أن يكون غيره ، بخلاف مسألة القياس ، فإنه لا ينتهض الإلحاق ما لم تثبت العلة ، فلهذا قلنا : إن الأصل كون الحكم مضافا إلى هذه العلة .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية