الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ شروط المذهب المختار عند المصنف ] الرابع عشر : وهو المختار عندي تقبل بشروط : أحدها : أن لا تكون منافية لأصل الخبر . ذكره سليم الرازي . ثانيها : أن لا تكون عظيمة الوقع ، بحيث لا يذهب عن الحاضرين علمها ونقلها . أما ما يجل خطره ، فبخلافه . قاله إلكيا الهراسي . ثالثها : أن لا يكذبه الناقلون في نقل الزيادة ، فإنهم إذا قالوا : شهدنا أول المجلس وآخره مصغين إليه ، مجردين له أذهاننا ، فلم نسمع الزيادة ، فذلك منهم دليل على ضعفه ، فإنه لو كان للاحتمال مجال لم يكذبوه على عدالته ، قاله إمام الحرمين ، وابن القشيري ، وإلكيا الطبري ، والغزالي في " المنخول " . وقال الإبياري : أما إذا صرح الآخرون بالنفي واتحد المجلس . فقيل : هو معارض ، فيقدم أقواها . وقيل الإثبات مقدم ، قال : وهو الراجح .

                                                      رابعها : أن لا يخالف الأحفظ والأكثر عددا ، فإن خالفت ، فظاهر [ ص: 240 ] كلام الشافعي في " الأم " في الكلام على مسألة إعتاق الشريك ما يقتضي أنها مردودة ، ولم يفرق بين بلوغهم إلى حد يمتنع عليهم الغفلة والذهول أم لا ، بل اعتبر المطلق منهما ، فإنه قال في كلامه على زيادة مالك وأتباعه في حديث : { وإلا فقد عتق منه ما عتق } : إنما يغلط الرجل بخلاف من هو أحفظ منه ، أو يأتي بشيء فيتركه فيه من لم يحفظ منه ما حفظ منه ، وهم عدد وهو منفرد . ا هـ . وقال في حديث سعيد بن أبي عروبة : { وإن كان معسرا استسعى العبد في قيمته } هذه الزيادة ، وهي ذكر الاستسعاء ، تفرد بها سعيد ، وخالف الجماعة ، فلا تقبل ، ولما رأى أصحابه هذا مخالفا لما علموه منه في قبول زيادة الثقة مطلقا ، ولم يحملوا كلامه على ما ذكرنا ، احتاجوا لتأويله ، فقال سليم الرازي : لم يرد الشافعي هذه الجهة ، بل إن رواية الواحد عارضها رواية الجماعة ، فترجح الجماعة ، وقال ابن السمعاني : لأن سعيد بن أبي عروبة رواه مطلقا ، وغيره روى الخبر ، وقال : " قال قتادة : ويستسعى " فميز حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلام قتادة ، فيكون هذا الراوي قد حفظ ما خفي على الآخر . [ ص: 241 ] وقال إلكيا الطبري : ونحن وإن قبلنا الزيادة بالشرط السابق فيتطرق إليها احتمال الضعف ، ويخدش وجه الثقة ، فلو عارضه حديث آخر على مناقضة لقدم عليه ، فلأجله قدم الشافعية خبر السراية على خبر السعاية ; لأنه تفرد بنقل السعاية سعيد بن أبي عروبة من بين أصحاب الزهري .

                                                      وقسم ابن الصلاح الزيادة إلى ثلاثة أقسام : أحدها : ما كان مخالفا منافيا لما رواه الثقات فمردود . ثانيها : ما لا ينافي رواية الغير كالحديث الذي تفرد برواية جملته ثقة من الثقات ، فيقبل تفرده ، ولا يتعرض فيه لما رواه الغير بمخالفته أصلا ، وادعى الخطيب فيه الاتفاق . ثالثها : ما يقع بين هاتين المرتبتين ، كزيادة في لفظ حديث لم يذكرها سائر رواة الحديث ، يعني ولا اتحد المجلس ، ولا نفاها الباقون صريحا ، وتوقف ابن الصلاح في قبول هذا القسم . وحكى الشيخ محيي الدين النووي عنه اختيار القبول فيه ، ولعله قاله في موضع غير هذا .

                                                      [ قول ابن دقيق العيد ] وقال ابن دقيق العيد : إذا علم اتحاد المجلس فالقول للأكثر ، سواء كانوا [ ص: 242 ] رواة الزيادة أو غيرهم ، تغليبا لجانب الكثرة ، فإنها عن الخطأ أبعد ، فإن استووا قدم الأحفظ والأضبط ، فإن استووا قدم المثبت على النافي ، وقيل : النافي ; لأن الأصل عدمها . والتحقيق أن الزيادة إن نافت المزيد عليه احتيج للترجيح لتعذر الجمع ، كحديث : عتق بعض العبد ، فإن أبا هريرة ( رضي الله عنه ) روى الاستسعاء ، وابن عمر لم يروه ، بل قال : { وإلا فقد عتق منه ما عتق } ، وهي تنافي الاستسعاء ، وإن لم تنافه لم يحتج إلى الترجيح ، بل يعمل بالزيادة إذا أثبتت كما في المطلق والمقيد ، كقول أنس : { رضخ يهودي رأس جارية فرضخ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه بين حجرين } رواه بعضهم هكذا مطلقا ، وبعضهم يقول : { فأخذ اليهودي فاعترف ، فرضخ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه } وهي رواية الصحيحين .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية