[ ] الثاني : المجهول باطنا وهو عدل في الظاهر ، وهو المستور ، فعند الراوي المستور الحال يقبل ما لم يعلم الجرح ، وعند أبي حنيفة لا يقبل ما لم تعلم العدالة كالشهادة ، وكذا قال الشافعي الماوردي والروياني وغيرهما ، وممن نقله عن جزم الشافعي أبو الحسين بن القطان ، ونقله إلكيا عن الأكثرين ، ونقله شمس الأئمة عن وقال : نص في كتاب الاستحسان على أن خبر المستور كخبر الفاسق . وروي عن محمد بن الحسن أنه كالعدل ، وهو قياس قوله في الشهادة . قال أبي حنيفة أبو الحسن السهيلي في أدب الجدل " : ويمكن أن يقال على قوله : لا يحتج به ، وإن قبلت شهادته على جهالة الحال ، والفرق أن في الشهادة [ ص: 160 ] خصما يطالب بالعدالة ، فجاز للقاضي القضاء بشهادته إذا ترك الخصم حقه ، بخلاف الرواية كما قلنا بالاتفاق في الشهادة بالحدود .
ووافق الحنفية منا الأستاذ ، كما رأيت ، نقله أبو بكر بن فورك الماوردي في كتابه ، وكذا وافقهم سليم الرازي في كتاب " التقريب " ، وعلله بأن الإخبار مبني على حسن الظن بالراوي ، ولأن رواية الأخبار تكون عند من يتعذر عليه معرفة العدالة في الباطن ، فاقتصر فيه على معرفة ذلك في الظاهر ، ويفارق الشهادة ، فإنها تكون عند الحكام ، ولا يتعذر عليهم ذلك ، فاعتبر فيها العدالة في الظاهر والباطن . قال : ويشبه أن يكون العمل على هذا الرأي في كثير من كتب الحديث المشهورة في غير واحد من الرواة الذين تقادم العهد بهم ، وتعذرت الخبرة الباطنة بهم ، وإلى نحوه مال ابن الصلاح فيمن عرف بحمل العلم ، وسنذكره . ابن عبد البر قلت : وذكر الأصفهاني أن المتأخرين من الحنفية قيدوا ما سبق عنهم بصدر الإسلام ، حيث الغالب على الناس العدالة ، وأما المستور في زماننا فلا يقبل لكثرة الفساد وقلة الرشاد ، وإنما كان يقبل في زمن السلف الصالح . وقال أبو زيد الدبوسي في " التقويم " : المجهول خبره حجة إن نقل عنه السلف ، وعملوا به أو سكتوا عن رده ، فإن لم يظهر فيعمل به ما لم يخالف القياس . انتهى .
وهذا تفصيل في المسألة ، وقد جرت عادة في كتاب " الثقات " أن يوثق من كان في الطبقة المتقدمة من التابعين . قال بعض الأئمة : استقريت ذلك منه لغلبة السلامة على ذلك العصر ، مع عدم ظهور ما يقتضي التضعيف ، وقال ابن حبان إمام الحرمين : [ ص: 161 ] يوقف ، ويجب الانكفاف إذا روي التحريم إلى الظهور فتحصلنا على أربعة مذاهب . وأطلق النووي في " شرح المهذب " تصحيح قبول رواية المستور ، وربما أيده بعضهم بأن نص على انعقاد النكاح بمستوري العدالة ، فالرواية أولى ، وأنكره بعض الأصحاب ، وقال : قبول رواية المستور إنما تنزل منزلة القضاء بالنكاح ، لا منزلة انعقاد النكاح ، والنكاح لا يقضى فيه عند التجاحد بشهادة مستور ، فكذلك لا تقبل رواية المشهور . وقال الشافعي القاضي في " التقريب " : إن كان قد اعتقد أن شهود النكاح عدول في ظاهر الإسلام فقد ناقض ما قاله في حد العدالة ، ولعله أراد بذلك أن الإسلام أصل العدالة ومعظمها ، وأما أن يكون وحده عدالة فذلك بعيد من قوله . انتهى . الشافعي
وجوابه ما ذكر ، وأطلق كلامه في اختلاف الحديث " أنه لا يصح المجهول ، وهو الذي نقله عنه الشافعي ، البيهقي والماوردي ، والروياني وغيرهم . ثم المراد بالمستور من يكون عدلا في الظاهر ، ولا تعرف عدالته باطنا ، قاله البغوي والرافعي وذكر في كتاب الصيام تبعا لإمام الحرمين في " النهاية " أن العدالة الباطنة هي التي ترجع فيها القضاة إلى قول المزكين ، وسبق عن النص في اختلاف الحديث ما يؤيده . وفسر إمام الحرمين المستور بالذي لم يظهر منه نقيض العدالة ، ولم يبق البحث على الباطن في عدالته ، وكلام الأصوليين ومنهم القاضي في " التقريب " صريح في أن المراد بالعدالة الباطنة الاستقامة بلزوم أداء أوامر الله ، وتجنب مناهيه وما يثلم مروءته ، أي سواء ثبت عند الحاكم أم لا . قال القاضي : ولا يكفيه اجتناب [ ص: 162 ] الكبائر ، حتى يتوقى مع ذلك لما يقول كثير من الناس إنه لا يعلم أنه كبيرة ، بل يجوز أن يكون صغيرة كالضرب الخفيف ، وتطفيف الدانق ونحوه .