الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر عود أولاد صاحب باميان إلى غزنة

قد ذكرنا قبل وصول ألدز التركي إلى غزنة ، وإخراجه علاء الدين وجلال الدين ولدي بهاء الدين سام - صاحب باميان - منها ، بعد أن ملكها ، وأقام هو في غزنة من عاشر رمضان سنة اثنتين وستمائة إلى خامس ذي القعدة من السنة . يحسن السيرة ، ويعدل في الرعية ، وأقطع البلاد للأجناد ، فبعضهم أقام ، وبعضهم سار إلى غياث الدين [ ص: 230 ] بفيروزكوه ، وبعضهم سار إلى علاء الدين - صاحب باميان - ولم يخطب لأحد ، ولا لنفسه ، وكان يعد الناس بأن رسولي عند مولاي غياث الدين ، فإذا عاد خطبت له ، ففرح الناس بقوله .

وكان يفعل ذلك مكرا وخديعة بهم وبغياث الدين ، لأنه لو لم يظهر ذلك لفارقه أكثر الأتراك وسائر الرعايا ، وكان حينئذ يضعف عن مقاومة صاحب باميان ، فكان يستخدم الأتراك وغيرهم بهذا القول وأشباهه .

فلما ظفر بصاحب باميان - على ما نذكره - أظهر ما كان يضمره ، فبينما هو في هذا أتاه الخبر بقرب علاء الدين وجلال الدين ولدي بهاء الدين - صاحب باميان - في العساكر الكثيرة ، وأنهم قد عزموا على نهب غزنة ، واستباحة الأموال والأنفس ، فخاف الناس خوفا شديدا ، وجهز ألدز كثيرا من عسكره وسيرهم إلى طريقهم ، فلقوا أوائل العسكر ، فقتل من الأتراك [ جماعة ] ، وأدركهم العسكر ، فلم يكن لهم قوة بهم ، فانهزموا وتبعهم عسكر علاء الدين يقتلون ويأسرون ، فوصل المنهزمون إلى غزنة فخرج عنها ألدز منهزما يطلب بلده كرمان ، فأدركه بعض عسكر باميان ، نحو ثلاثة آلاف فارس ، فقاتلهم قتالا شديدا فردهم عنه ، وأحضر من كرمان مالا كثيرا وسلاحا ، ففرقه في العسكر .

وأما علاء الدين وأخوه فإنهما تركا غزنة لم يدخلاها ، وسارا في أثر ألدز ، فسمع بهم ، فسار عن كرمان ، فنهب الناس بعضهم بعضا ، وملك علاء الدين كرمان . وأمنوا أهلها ، وعزموا على العود إلى غزنة ونهبها ، فسمع أهلها بذلك ، فقصدوا القاضي سعيد بن مسعود وشكوا إليه حالهم ، فمشى إلى وزير علاء الدين المعروف بالصاحب ، وأخبره بحال الناس فطيب قلوبهم ، وأخبرهم غيره ممن يثقون به أنهم مجمعون على النهب ، فاستعدوا ، وضيقوا أبواب الدروب والشوارع ، وأعدوا العرادات والأحجار ، وجاءت التجار من العراق ، والموصل ، والشام ، وغيرها ، وشكوا إلى أصحاب السلطان ، فلم يشكهم أحد ، فقصدوا دار مجد الدين بن الربيع ، رسول الخليفة ، واستغاثوا به ، فسكنهم ، ووعدهم الشفاعة فيهم وفي أهل البلد ، فأرسل إلى أمير كبير من الغورية يقال له سليمان بن سيس ، وكان شيخا كبيرا يرجعون [ ص: 231 ] إلى قوله ، يعرفه الحال ، ويقول له ليكتب إلى علاء الدين وأخيه يتشفع في الناس . ففعل ، وبالغ في الشفاعة ، وخوفهم من أهل البلد إن أصروا على النهب ، فأجابوه إلى العفو عن الناس بعد مراجعات كثيرة .

وكانوا قد وعدوا من معهم من العساكر بنهب غزنة ، فعوضوهم من الخزانة ، فسكن الناس ، وعاد العسكر إلى غزنة أواخر ذي القعدة ومعهم الخزانة التي أخذها ألدز من مؤيد الملك لما عاد ومعه شهاب الدين قتيلا ، فكانت مع ما أضيف إليها من الثياب والعين تسعمائة حمل ، ومن جملة ما كان فيها من الثياب الممزج المنسوج بالذهب ، اثنا عشر ألف ثوب .

وعزم علاء الدين [ أن ] يستوزر مؤيد الملك ، فسمع أخوه جلال الدين ، فأحضره وخلع عليه ، على كراهة منه للخلعة ، واستوزره ، فلما سمع علاء الدين بذلك قبض على مؤيد الملك ، وقيده ، وحبسه ، فتغيرت نيات الناس ، واختلفوا ، ثم إن علاء الدين وجلال الدين اقتسما الخزانة ، وجرى بينهما من المشاحنة في القسمة ما لا يجري بين التجار ، فاستدل بذلك الناس على أنهما لا يستقيم لهما حال لبخلهما ، واختلافهما ، وندم الأمراء على ميلهم إليهما وتركهم غياث الدين مع ما ظهر من كرمه وإحسانه .

ثم إن جلال الدين ، وعمه عباسا سارا في بعض العسكر إلى باميان ، وبقي علاء الدين بغزنة ، فأساء وزيره عماد الملك السيرة مع الأجناد والرعية ، ونهبت أموال الأتراك ، حتى أنهم باعوا أمهات أولادهم وهن يبكين ويصرخن ولا يلتفت إليهن .

التالي السابق


الخدمات العلمية