الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الرابع : في الكتاب : إن سرق ، وأخذ مكانه أو بعد ذلك ، ويسره متصل ، فقطع ، وقد استهلك السرقة ضمنها ، فإن كان معسرا يوم قطعت يده ، أو ذهب يسره ، ثم قطع موسرا ، أو سرق معسرا ، أو قطع موسرا ، لم يضمن المستهلك ، وإنما يضمن إذا تمادى اليسر إلى القطع ، وضمنه ( ش ) وأحمد مطلقا ، ولم يضمنه ( ح ) مطلقا . ولا يجتمع القطع والغرم عنده ، إن غرمها قبل القطع ، سقط القطع ، أو قطع قبل الغرم ، سقط الغرم . وقال فيمن سرق مرات : يغرم الكل إلا الآخر ; لأنه قطع بها . وقال أبو يوسف : قطع بالكل ، فلا يغرم شيئا ، وإن [ ص: 189 ] كانت العين قائمة ، ردت اتفاقا . لنا على ( ش ) : قوله تعالى : ( فاقطعوا أيديهما ) ، فجعل حد القطع فرضا ، وجميع ما يترتب عليه القطع . وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إذا أقيم على السارق الحد فلا غرم ) ، خرجه النسائي . ولأن إتلاف المال لا يوجب عقوبتين . ولنا على الغرم مع اليسار على ( ح ) : أن موجب القطع : حق الله تعالى ، وموجب الغرم : الإتلاف ، والأصل : ترتب المسببات على أسبابها ، كالمحرم يتلف صيدا مملوكا ، يلزمه الجزاء والقيمة . والفرق بين اليسار والإعسار : أن اتباع المعسر عقوبة له تشغل ذمته ، والموسر لا عقوبة فيه ; لجواز أنه باعها وعوضها في ماله ، بل هو الراجح ; لأن الأصل : عدم غرمها بالكلية ، ولأنه وفر بها ماله ، ولأنه جمع بين الأدلة ، ومثله نفقة الزوجة . وقيمة الشقص إن أعتق لا يضمنان في الذمة ، بل مع اليسار . احتج ( ح ) بما تقدم و ( ش ) بما تقدم . وقال ابن عبد البر : الحديث المتقدم ضعيف ، ويحتمل حمله على أجرة القاطع . وفي المقدمات : لا يلزم إذا أيسر بعد العدم ; لأن العدم أسقطها عنه . وفي المعونة : قال بعض شيوخنا : التغريم استحسان ، والقياس : عدمه ، وإلا ضمن مع الإعسار ، قال : وهو قول غير ( ح ) ; لأن ( ح ) يخير المالك في القطع ، فلا غرم ، أو الغرم ، فلا قطع ، وهذا يحتم القطع ، وهذا كله إن كان المسروق نصابا ، فقطع فيه ، وإلا ضمن مع اليسر والعسر اتفاقا . قال ابن يونس : إن قطعت يده وقد استهلكها ، وبيده مال ، فقال : أفدته بعد السرقة ، وقال الطالب : قبل ، صدق السارق ، إلا أن يقوم عليه بالقرب من السرقة فيما لا يكون فيه كسب ولا [ ص: 190 ] ميراث ، وإن استمر ملاؤه من السرقة إلى بعد القطع ، قيل : يغرم ، وقال أشهب : لا يغرم المعسر ، وقال ابن القاسم : يتبع به دينا ، وإن استهلكها وعليه دين وما بيده قدر الدين : فأهل الديون أحق من المسروق منه ، وما فضل فله . قال اللخمي : يختلف في ثلاثة مسائل : إذا لم تثبت السرقة إلا بشاهد ، وإذا لم تكن بينة ، وقال : سرقت من غير حرز ، ( وقال المسروق منه : من حرز ) ، والثالث : أن تذهب يمينه بأمر من الله تعالى ، فقال ابن القاسم : يتبع في الذمة ، وإن كان معسرا يوم سرق أو يوم الحد ، ومنع أشهب ; لأن المسروق منه يقر أن حكمه القطع ، وأنه ظلم في امتناعه من القطع كما لو لم يقطع بعد ثبوت القطع حتى مات ، فإنه لا يتبع . قال اللخمي : وهو يتبع على أصل قول ابن القاسم إذا مات . ولا يسقط الغرم ، إلا النكال بالقطع ، ومثله إذا أقر بالسرقة ثم رجع ، سقط القطع دون الغرم عند ابن القاسم ، ويسقط الأمران عند أشهب . وإذا باع السرقة ، فأهلكها المشتري ، فإن أجاز المسروق منه البيع ، لم يتبع السارق بالثمن عند مالك ، إلا أن يكون متصل اليسر من السرقة إلى القطع ، وإن لم يجز ، وأغرم المشتري القيمة ، اتبع المشتري في العسر واليسر ، فإن كان المشتري عديما ، رجع المسروق منه على السارق ; لأنه غريم غريمه ، فإن كانت القيمة لزمت المشتري أقل من الثمن ، ( أخذ منه الثمن ) ; لأنه الذي لغريمه الذي عنده . ويتبع المشتري بفضل القيمة ، وإن كان المشتري ، باع السرقة ، ( أخذ منه الثمن الثاني ، أو الثمن الأول . وفي الجواهر : يلزم الغرم إن استمر اليسر من السرقة ) إلى القطع عند [ ص: 191 ] ابن القاسم ، وعند أشهب إلى حين القيام إليه . وإن أعسر بعد القطع وقبل الغرم ، اتبع عند ابن القاسم دون أشهب ، وقيل : يتبع مطلقا مع العسر واليسر ، وقاله أبو إسحاق . وفي النوادر : إذا قطعت أربعته في سرقات أو غيرها ، اتبع في عدمه عند ابن القاسم ; لأنه لم يقطع ، ولم يتبع عند أشهب ; لأنه موضع قطع ، وإنما تعذر كما لو مات قبل أن يقطع ، وإن سرق فلم يقطع حتى زنى ، فرجم بعد أن أيسر بعد العدم يوم السرقة . قال ابن القاسم : لا يتبع إن قطع ; لدخول القطع في القتل . وإن سرق ثلاثة ثوبا لرجل ، فقطعوا ووجد منهم مليء ، ضمن الجميع ; لأنهم كالرجل الواحد .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية