الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                العاشر : في الكتاب : إن سرق وقتل عمدا ، كفر القتل ، فإن عفا الولي ، قطع ، وإن سرق وقطع يمين رجل ، قطع لسرقة فقط ; لتعذر العفو فيها ، ولا شيء للمقطوع يده ، كما لو ذهبت يد القاطع بأمر سماوي ، أو سرق وقطع يسار رجل ، قطع يمينه للسرقة ، ويساره للقصاص ; لإمكان الجمع ، وللإمام جمع ذلك عليه ، وتفريقه بقدر الخوف عليه ، وكذلك الحد والتعزير . وإن اجتمع حد الله تعالى وحد العباد ، بدئ بحد الله تعالى ; لتعذر العفو فيه ، فإن [ ص: 196 ] عاش حد حد العباد ، وإن مات بطل ذلك ، ويجمع الإمام ذلك عليه أو يفرقه بحسب الخوف عليه . قال اللخمي : إن كانا له ، قدم أكثرهما ، كحد الزنا مع الشرب ، إلا أن يخاف عليه في المائة ، فيحد للخمر ، فإن ضعفت البنية عن الحد الواحد ، ضرب المأمون ، ثم يستكمل وقتا بعد وقت ، فإن فرغ جلد الزنا ، جلد للخمر . وإن كانا للعباد نحو قطع هذا وقذف هذا : اقترعا ، فإن كان يقدر على أحدهما دون الآخر ، أقيم عليه الأدنى من غير قرعة . ويقدم حق الله تعالى ، إلا أن يقدر على حق الآدمي فقط ، فيقام ، وأخر حق الله تعالى لوقت الأمن ، فإن خيف منه دائما بدئ به مفرقا ، ثم حق الآدمي . قال الطرطوشي : إذا اجتمع قتل في حرابة أو غيرها ، وقود ، قدم حق الله تعالى . وتظهر فائدة ذلك أنه لا ينتظر في القتل حضور الولي ، وأنه يقتل بالحجارة في الزنا ، وبالسيف في الردة ، وقد يكون قتل الآدمي بالحجارة ، أما لو قطع في السرقة ، ثم قطع يمين رجل فعليه دية اليد ; لأنه يوم قطعها ، لم يكن له يمين ، بخلاف ما تقدم . ومتى اجتمعت الحدود كلها مع القتل ، سقطت بالقتل ، إلا القذف ، فإنه يجلد ، ثم يقتل . وقال ( ش ) و ( ح ) : حق الآدمي مقدم . لنا : أن حق الله تعالى أقوى ; لتعذر العفو ، ولأنه قد يتغلظ ، كالقتل بالحجارة في الزنا . وعلى أصل ( ح ) : لا قصاص إلا بالسيف ، وينكل المرتد ، ويمثل به بخلاف القصاص . واحتجوا بأن حق الآدمي أقوى ; لأن حق الله تعالى يسقط بالشبهة ، وبرجوع المقر ، وبالتوبة قبل القدرة في الحرابة ، ولو كانت عليه زكاة ، وكفارة ، وحج ، قدم دين الآدمي على الحج ، ويرث [ ص: 197 ] الوارث في حقوق الله دون حق الآدمي . وحق الله تعالى يسقط بالعفو من مالكه ، ويظهر ذلك في الدار الآخرة . والجواب : أنا إنما رجحنا بين حقوق وجبت ، أما مع الشبهة فلم يجب شيء . وكذلك الرجوع عن الإقرار ، ثم ما ذكرتموه دليل القوة ; لأنه كلما كثرت شروط الشيء كان أقوى ; لأن الزنا أقوى من الثبوت من القتل ; لاشتراط أربعة عدول ، والنكاح أقوى من البيع ; لاشتراط الولي ، والشهود ، والصداق ، فاشتراط عدم الشبهة . وعدم رجوع المقر دليل القوة ، وأما العفو في الآخرة ، فلا مدخل له ، لأنا إنما تكلمنا في القوة في حال الدنيا ، على أن حقوق العباد قد تسقط بالشبهة ; لأن عمد الخطأ لا قود فيه عندكم وعندنا في إحدى الروايتين ، وقتل الابن لأبيه . وأما الزكاة فالدين يسقطها عن العين ، وهي في المناسبة مقدمة على دين الآدمي . والكفارات لها أبدال إن كان فقيرا يعوضه الصوم . وأما الميراث فمشترك ; لأن الوصية والتدبير لا تمنع ملك الوارث ، مع أنا إذا علمنا أن الزكاة عليه لم يفرط في إخراجها ، قدمت على الميراث ، مثل أن يقدم عليه مال لم تؤد زكاته ، أو يموت صبيحة الفطر . وأما الحج ، فمتعلق بالبدن لا بالمال ، فسقط كما يسقط بعجز البدن في الحياة .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية