الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال العلماء :

الصراط أدق من الشعرة ، وأحد من السيف ، وأحمى من الجمرة ، فقد أخرج الطبراني بإسناد حسن عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال :

يوضع الصراط على سواء جهنم مثل حد السيف المرهف مدحضة - أي مزلقة ، أي لا تثبت عليها قدم بل تزل عنه ، إلا من يثبته الله تعالى ، عليه كلاليب من نار تخطف أهلها فتمسك بهواديها ، ويستبقون عليها بأعمالهم ، فمنهم من شده كالبرق ، فذاك الذي لا ينشب أن ينجو ، ومنهم من شده كالريح ، ومنهم من شده كالفرس الجواد ، ومنهم من شده كهرولة الرجل ، ثم كرمل الرجل ، ثم كمشي الرجل ، وآخر من يدخل الجنة رجل قد لوحته النار فيقول الله له :

سل وتمن ، فإذا فرغ قال :

لك ما سألت ، ومثله معه .

وأخرج ابن منيع في مسنده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا : " الصراط كحد السيف دحض مزلة ذا حسك وكلاليب " .

[ ص: 191 ] وأخرج الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت :

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لجهنم جسر أدق من الشعر ، وأحد من السيف عليه كلاليب وحسك تأخذ من شاء ، والناس عليه كالطرف وكالبرق ، وكالريح ، وكأجاويد الخيل والركاب ، والملائكة يقولون : رب سلم سلم ، فناج مسلم ، ومخدوش مسلم ، ومكور في النار على وجهه .

" وأخرج مسلم عن أبي سعيد الخدري قال : بلغني أن الجسر أدق من الشعر ، وأحد من السيف .

وأخرج ابن ماجه عن أبي سعيد أيضا سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " وضع الصراط بين ظهراني جهنم عليه حسك كحسك السعدان ثم يستجيز الناس ، فناج مسلم ، ومخدوش به ثم ناج ، ومحتبس به ، ومنكوس فيها "

وأخرج ابن جرير ، والبيهقي ، عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : الصراط على جهنم مثل حد السيف فتمر الطبقة الأولى كالبرق ، والثانية كالريح ، والثالثة كأجود الخيل ، والرابعة كأجود البهائم يمرون ، والملائكة يقولون : اللهم سلم اللهم سلم .

وأخرج البيهقي عن أنس - رضي الله عنه - سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :

" الصراط كحد السيف ، وإن الملائكة ينجون المؤمنين والمؤمنات ، وإن جبريل لآخذ بحجزتي ، وإني لأقول : يا رب سلم ، فالزالون والزالات يومئذ كثير " وأخرج ابن عساكر عن الفضيل بن عياض - رحمه الله - تعالى قال : بلغنا أن الصراط مسيرة خمسة عشر ألف سنة ، خمسة آلاف صعود ، وخمسة آلاف هبوط ، وخمسة آلاف مستو ، أدق من الشعرة ، وأحد من السيف على متن جهنم لا يجوز عليه إلا ضامر مهزول من خشية الله ، وفي بعض الآثار أن طول الصراط مسيرة ثلاث آلاف سنة ، ألف منها صعود ، وألف منها هبوط ، وألف منها استواء . وفي بعض الروايات أن جبريل في أوله ، وميكائيل في وسطه يسألون الناس عن عمرهم فيما أفنوه ، وعن شبابهم فيما أبلوه ، وعن علمهم ماذا عملوا به .

وفي بعض الآثار أن فيه سبع قناطر يسأل كل عبد عند كل قنطرة منها عن أنواع من التكليف .

( قلت ) : وقد ذكر القرطبي في تذكرته عن بعض أهل العلم أنه قال : لن يجوز أحد الصراط حتى يسأل على سبع قناطر فأما القنطرة الأولى فيسأل عن الإيمان بالله ، وهي شهادة أن لا إله إلا الله فإن جاء [ ص: 192 ] بها مخلصا - والإخلاص قول وعمل - جاز ، ثم يسأل في القنطرة الثانية عن الصلاة ، فإن جاء بها تامة جاز ، ثم يسأل في الرابعة عن الزكاة ، فإن جاء بها تامة جاز ، ثم يسأل في الخامسة عن الحج والعمرة ، فإن جاء بهما تامين جاز إلى القنطرة السادسة ، فيسأل عن الغسل والوضوء ، فإن جاء بهما تامين جاز إلى القنطرة السابعة ، وليس في القناطر أصعب منها ، فيسأل فيها عن ظلامات الناس ، وتبعات الخلق .

وجاء في الحديث الشريف أنه إذا صار الناس على طرف الصراط نادى ملك من تحت العرش : يا فطرة الملك الجبار جوزوا على الصراط ، وليقف كل عاص منكم وظالم .

وأخرجه الحاكم وصححه ، والطبراني عن أم الدرداء قالت : قلت لأبي الدرداء : ألا تبتغي لأضيافك ما يبتغي الرجال لأضيافهم ؟ فقال :

سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن أمامكم عقبة كئودا لا يجوزها المثقلون ، فأحب أن أتخفف لتلك العقبة " قوله : كئود بفتح الكاف وهمزة مضمومة : الصعبة .

وأخرج البزار بلفظ " إن بين أيديكم عقبة كئودا لا ينجو منها إلا كل مخف " وأخرج الطبراني عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :

" إن بين أيدينا عقبة كئودا لا يصعدها إلا المخفون " فقال رجل :

يا رسول الله أمن المخفين أنا أم من المثقلين ؟ قال : " عندك طعام يوم ؟ قال : نعم ، وطعام غد ؟ قال : لا ، قال : لو كان عندك طعام ثلاث كنت من المثقلين "
وأخرج الإمام أحمد بسند صحيح عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال : إن خليلي - صلى الله عليه وسلم - عهد إلي أن دون جسر جهنم طريقا ذا دحض ومزلة ، وأنا إن نأتي عليه وفي أحمالنا اقتدار واصطبار أحرى أن ننجو من أن نأتي عليه ونحن مواقير .

التالي السابق


الخدمات العلمية