الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 187 ] ( الثاني )

اختلف في الموزون ، قيل : يوزن العبد مع عمله ، وقيل توزن نفس الأعمال فتصور الأعمال الصالحة بصورة حسنة نورانية ثم تطرح في كفة النور ، وهي اليمنى المعدة للحسنات ، فتثقل بفضل الله سبحانه ، وتصور الأعمال السيئة بصورة قبيحة ظلمانية ثم تطرح في الكفة المظلمة ، وهي الشمال المعدة للسيئات ، فتخفف بعدل الله سبحانه كما جاء به الحديث ، فامتناع قلب الحقائق في مقام خرق العادات غير ملتفت إليه كما لا يخفى ، وقيل :

إن الله تعالى يخلق أجساما على عدد تلك الأعمال من غير قلب لها .

والحق ما قدمناه ؛ أن الموزون صحف الأعمال ، وصححه ابن عبد البر والقرطبي وغيرهما ، وصوبه الشيخ مرعي في بهجته ، وذهب إليه جمهور من المفسرين ، وقد سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عما يوزن يوم القيامة فقال :

" الصحف "
ذكره الفخر الرازي وغيره ، وحكاه ابن عطية عن أبي المعالي ، ويؤيد ذلك حديث البطاقة والسجلات ، رواه الترمذي وحسنه ، وابن ماجه ، وابن حبان في صحيحه ، والحاكم والبيهقي ، وقال الحاكم :

على شرط مسلم . عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :

" إن الله يستخلص رجلا من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسعة وتسعون سجلا كل سجل مثل مد البصر ، ثم يقول : أتنكر من هذا شيئا ؟ أظلمك كتبتي الحافظون ؟ فيقول : لا يا رب ، فيقول : أفلك عذر أو حسنة ؟ فيقول : لا يا رب ، فيقول الله :

بلى إن لك عندنا حسنة ، فإنه لا ظلم عليك اليوم ، فتخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، فيقول :

احضر وزنك ، فيقول : يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات ؟ فيقال :

فإنك لا تظلم ، وتوضع السجلات في كفة ، والبطاقة في كفة ، فطاشت السجلات ، وثقلت البطاقة ، فلا يثقل مع اسم الله شيء
"

قال العلامة الشيخ مرعي في بهجته : ثبت بهذا الحديث الصحيح أن الموزون صحائف الأعمال ، فإن قيل : قد أخرج الشيخان عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :

" إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح [ ص: 188 ] بعوضة " ، فقد صرح بأن الموزون نفس بدن الإنسان ، فالجواب أن هذا ضربه النبي - صلى الله عليه وسلم - مثلا للذي يغتر ببعض الأجسام ، وهو كناية عن اكتراث الله بالأجساد ، فإن الله لا ينظر إلى الصور ، وإنما ينظر إلى الأعمال والقلوب ، فكم من جسم وسيم وهو عند الله من أصحاب الجحيم ، فهذا محمل الحديث الصحيح ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية