الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما الذي يرجع إلى صفة البيع فهو أن يختلفا في البتات والخيار أو في الصحة والفساد بأن اشترى دارا بألف درهم وتقابضا فأراد الشفيع أخذها بالشفعة فقال البائع والمشتري البيع كان بخيار البائع ولو يمض فلا شفعة لك ، وأنكر الشفيع الخيار فالقول قول البائع والمشتري وعلى الشفيع البينة أن البيع كان باتا عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وهو إحدى الروايتين عن أبي يوسف رحمه الله .

                                                                                                                                وروي عن أبي يوسف رواية أخرى أن القول قول الشفيع .

                                                                                                                                ( وجه ) هذه الرواية أن الظاهر شاهد للشفيع ; لأن البتات أصل في البيع والخيار فيه عارض فكان القول قول من يتمسك بالأصل .

                                                                                                                                ( وجه ) ظاهر الرواية أن الشفيع يدعي ثبوت حق الشفعة وهما ينكران ذلك بقولهما كان فيه خيار ; لأن حق الشفعة لا يجب في بيع فيه خيار فكان القول قول المنكر ; ولأن البيع يقوم بالعاقدين فكانا أعرف بصفقته من الشفيع ، والرجوع في كل باب إلى من هو أعرف به ، ولهذا لو تصادقا على أن الثمن كان دنانير والشفيع يدعي أنه كان دراهم كان القول قولهما ، كذا هذا ولو كان البائع غائبا والدار في يد المشتري فأراد الشفيع أن يأخذ منه فقال المشتري كان للبائع فيه خيار وكذبه الشفيع فالقول قول المشتري أيضا لما ذكرنا من المعنيين .

                                                                                                                                وإن اختلف العاقدان فيما بينهما فادعى البائع الخيار وقال المشتري لم يكن فيه خيار كان القول قول المشتري ويأخذ الشفيع الدار في الرواية المشهورة وروي عن أبي يوسف أن القول قول البائع .

                                                                                                                                ( وجه ) هذه الرواية أن البائع بدعوى الخيار منكر للبيع حقيقة ; لأن البيع بشرط الخيار غير منعقد في حق الحكم ، وخيار البائع يمنع زوال المبيع [ ص: 34 ] عن ملكه والمشتري والشفيع يدعيان الزوال عن ملكه فكان القول قول البائع ، كما لو وقع الاختلاف بينهم في أصل العقد .

                                                                                                                                ( وجه ) ظاهر الرواية أن الخيار لا يثبت إلا باشتراطهما فالبائع بدعوى الخيار يدعي الاشتراط على المشتري وهو ينكر فكان القول قوله كما لو ادعى المشتري الشراء بثمن مؤجل وادعى البائع التعجيل فالقول قول البائع لما أن التأجيل لا يثبت إلا بشرط يوجد من البائع وهو منكر للشرط فكان القول قوله ، كذا هذا بخلاف ما لو أنكر البائع البيع والمشتري يدعيه أن القول قول البائع لأنه أنكر زوال ملكه ولم يدع على المشتري فعلا فكان القول قوله .

                                                                                                                                ولو أراد الشفيع أن يأخذ الدار المشتراة بالشفعة فقال البائع والمشتري كان البيع فاسدا فلا شفعة لك ، وقال الشفيع كان جائزا ولي الشفعة فهو على اختلافهم في شرط الخيار للبائع ; في قول أبي حنيفة ومحمد وإحدى الروايتين عن أبي يوسف : القول قول العاقدين ولا شفعة للشفيع .

                                                                                                                                وفي رواية عن أبي يوسف : القول قول الشفيع وله الشفعة ، فأبو يوسف يعتبر الاختلاف بينهم في الصحة والفساد باختلاف المتعاقدين فيما بينهما ، ولو اختلفا فيما بينهما في الصحة والفساد كان القول قول من يدعي الصحة ، كذا هذا ، والجامع أن الصحة أصل في العقد ، والفساد عارض وهما يعتبران اختلافهم في هذا باختلافهم في البتات والخيار للبائع ، والجامع أن الشفيع بدعوى البتات والصحة يدعي عليهما حق التمليك وهما بدعوى الخيار والفساد ينكران ذلك فكان القول قولهما ، وكذا هما أعرف بصفة العقد الواقع منهما لقيامه بهما فكان القول في ذلك قولهما ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية