الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                فرع

                                                                                                                للوارث القيام بعيب موروثه ، فإن ادعى البائع البراءة بالبينة عليه لانتقال الحق إلى غيرك ، فإن رجع : قال مالك : فلك ، وإلا حلف من الورثة من يظن به علم ذلك دون غيره ، وإذا مات البائع والمبتاع وجهل الثمن ، والعبد قائم رجع الورثة بالأرش من القيمة اتفاقا .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : ليس لك المطالبة بعد البيع بالعيب لانتقال الحق إلى غيرك ، [ ص: 82 ] فإن رجع إلى ملكك فلك المطالبة ، وقال أشهب : إن رجع بشراء رده على البائع الأخير ; لأن العهدة عليه ثم يخير في الرضا والرد عليك ، فإن رده رددته على البائع الأول إن شئت ، وإن رضي فعن مالك : لا رجوع لك بعت بأقل من الثمن أم لا ، وعنه : إن بعت بأقل رجعت بالأقل من تمام الثمن أو قيمة العيب من ذلك الثمن ، وإلا فلا ، قال أشهب : إن لم ترده على البائع الأخير فلك رده على الأول ، ثم لا رجوع لك على البائع الأخير ; لأخذك الأول بالعهدة ، وإن اشتريت من المشتري منك بأقل مما اشتراه منك فله الرجوع عليك بتمام ثمنه لا بالأقل ; لأن له رد عليك وهو الآن في يديك ، ولو باعه من غيرك بأقل مما ابتاعه منك فرضيه مبتاعه لم يرجع عليك إلا بالأقل ، ولو وهبه المبتاع منك لك وتصدق به عليك لرجع بقيمة العيب من الثمن الذي منه به ثم لك رده على بائعك الأول ، ولو ورثته من مبتاعه منك رددته على البائع الأول ; لأن ما وجب للميت ورثته .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : لا يمكن للمبتاع من تحليف البائع أنه باع سليما حتى يعين عيبا فيتعين الحلف عليه ، فإن كان ظاهرا رده من غير يمين ، أو ممكن الحدوث عندهما حلف البائع في الظاهر على البت وفي الخفي على العلم ; لأن غير ذلك يعيب ، فإن أحلفه عالما ببينة فلا قيام له بها ، وإلا فله القيام ، وإن أبق العبد بقرب العقد فليس له تحليفه أنه ما أبق عندك لعدم نفي سبب اليمين .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال اللخمي : يرجع إلى أهل المعرفة في تنقيص العيب لثمن ، وفي قدمه ، قال محمد : ولا بد من رجلين عدلين عارفين ، وتقبل المرأتان في عيوب الفرج والحمل وما لا يطلع عليه الرجال ، واختلاف أهل المعرفة ساقط مع استواء العدالة إلا أن يشترط عند العقد حسا فيكون الاختلاف عيبا ، ويصدق البائع [ ص: 83 ] في المشكوك فيه ; لأن الأصل : السلامة ، فإن وجد قديما ومشكوكا صدق المشتري في المشكوك ; لأنه يرد بالقديم ، ويغرم في المشكوك على تقدير الحدوث عنده فهو مدعى عليه الغرم ، بخلاف انفراده ، وقاله ابن سهل ، وقال ( ح ) و ( ش ) : القول قول البائع ; لأن الأصل سلامة المبيع عليه ، وهاهنا تعارض أصلان : سلامة ذمة المشتري من الغرم ، وسلامة المبيع عند العقد ، فاختلف العلماء أيهما يغرم ، فإن قال المشتري : المشكوك حادث فأنا أمسك وآخذ الأرش ، وقال البائع : قديم ، فإما أن تمسك بغير شيء أو ترد ، صدق البائع على قول ابن القاسم ; لأنه مدعى عليه الأرش ، وصدق المشتري مع يمينه على قول ابن وهب ; لأن الأصل : السلامة منه عند العقد ، ومتى قلنا : يصدق فله اليمين على الآخر ، وهذه المسألة أصل في رد أيمان التهم ; لأنهما في حال الدعوى مستويان في الشك ، وقال أشهب : يحلف البائع في الظاهر والخفي على العلم ; لأنه لا يقطع بحدوثه ، وقال محمد : إذا باع ثم اشترى من المشتري بأقل من الثمن ، ثم وجد مشكوكا فيه ، وأحب التمسك فاليمين على البائع الأول ، فإن نكل حلف الآخر وارتجع بقية الثمن ، فإن أحب الرد حلفا جميعا ، فإن نكل البائع الأول حلف الآخر وارتجع بقية الثمن ، فإن حلف الأول ونكل الآخر ردها عليه وأخذ الثمن ، وإن شك هل كان عند المشتري أو عند البائع ، فإن شك هل حدث عند البائع قبل البيع أو في العقد الثاني أو عند المشتري يحلف البائع على أنه لا يعلم أنه كان عنده قبل ولا حدث بعد أنه لا يعلم حدوثه عنده ويبرآن ، فإن نكل البائع عن الوجهين حلف المشتري ورجع على البائع بنقص الثمن ، فإن حلف ونكل المشتري كان للبائع الرد عليه ويرجع بالثمن ولا يغرم شيئا ، وإن حلف البائع أنه لا يعلمه في الصفقة الأولى ونكل عن أنه لا يعلمه حدث في الآخرة لم يغرم ولا يرد ولا يمين على المشتري ; لأنه نكل ، واليمين لا ترد على من نكل عنها .

                                                                                                                وفي كتاب محمد : إذا شهد شاهد على تقدم العيب عند البائع حلف المشتري على البت ، وإن كان العيب مما يخفى قال أصبغ :

                                                                                                                [ ص: 84 ] إن نكل حلف البائع على العلم ، وقال محمد : على البت ; لأنها اليمين التي نكل عنها المشتري ، قال : وليس بالبين ، وأرى إن كانت الشهادة على قدمه ، وعلى علم البائع ، وقال المشتري : هو اعترف عندي بذلك كانت يمين المشتري على البت وردها على البت ; لأنه يدعي اليقين ، وإن قال الشاهد : لا أعلم علم البائع ، وقال المشتري : لا علم لي سوى قول الشاهد لم يحلف مع شاهده على الصحيح ; لأنه يكلف اليمين على البت ، ولا علم عنده بل اليمين من جهة البيع هاهنا كأنه لم يشهد شاهد ، وإن قال الشاهد : علم بذلك البائع ، ولا علم عند المشتري من صدقه كانت اليمين في جهة البائع يحلف على البت في تكذيب الشاهد ، وعلى العلم في قدم العيب ، فإن حلف عن العيب وحلف على تكذيب الشاهد رجعت اليمين على المشتري على العلم كما لو شهد شاهد ، فإن نكل عن تكذيبه رد البيع ولم يرد الثمن ، وإن قطع المشتري بصدق الشاهد ولم يقطع بمعرفة البائع حلف على البت ، فإن نكل حلف البائع على العلم ، وإذا قال البائع للمشتري : احلف إنك لم تر العيب ولم تبرأ منه ، قال ابن القاسم : لا يمين عليه إلا أن يدعي أنه أراه إياه لعدم الجزم بالدعوى التي يترتب عليها اليمين ، فإن ادعى مخبرا أخبره أنه رآه ورضيه ، أو به قال ابن القاسم : يحلف لاستناد الدعوى إلى سبب ، وقال محمد : لا يمين عليه في تكذيب يتوصل إلى يمين لا يستحقها ، ويمكن إحضار المخبر فيحلف معه إن كان عدلا ، أو يكون لطخا إن كان حسن الحال ، وليس بلطخ إن كان ساقط الحال ، قال ابن القاسم : لا يمين للبائع على المشتري إلا أن يكون مما لا يخفى مثله كقطع اليد والعور ، قال اللخمي : العور بذهاب النور مع بقاء العين فيرد به وإن طال وبطمس العين لا يرد به ، فإن قرب إلا بقرب الشراء ، ولذلك قطع اليد إن قلب يديه ، وإن قال : لم ير العبد هذه اليد حلف فيما قرب ، قال [ ص: 85 ] مالك : إن اشترى من بعض النخاسين غلاما فأقام عنده ثلاثة أشهر حتى صرع حاله لا يردون ; لأن هؤلاء يشترون ، إن وجدوا ربحا باعوا وإلا خاصموا ، فأرى أن يلزموا ما علموا وما لم يعلموا ، قال ابن القاسم : يحلفون في الخفي ويلزمون الجلي .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الجواهر : إذ لم يوجد من يعرف العيوب من أهل العدالة قبل غيرهم ، وإن كانوا مسلمين لا طريقة للخبر بما ينفردون بعلمه .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : ويحلف البائع أني بعته ، ويريد فيما فيه حق تقوية ، وأقبضته وما به عيب .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : حيث كان له الرد فصرح بالرد ، ثم هلك المبيع قبل وصوله إلى يد البائع ، فأيهما يضمنها ؟ أقوال ثالثها : إن حكم به حاكم فمن المبتاع ، ويلاحظ هاهنا هل الرد بالعيب نقض للعقد فيكون من البائع أو ابتداء بيع فيكون من المشتري على الخلاف في اشتراط قدر التسليم ، هذه عبارة المتقدمين ، ويقول المتأخرون : هل هو نقض للبيع من أصله فيكون من البائع أو من جنبه ؟ قال : ولعل هذا الخلاف مع وجود الحكم ينظر إلى صفته هل هو حكم بتخير المشتري فيكون الضمان منه ، أو بالرد فمن البائع ؟ قال صاحب البيان : قال أصبغ : يدخل العيب في ضمان البائع بمجرد الإشهاد على العيب ، وعدم الرضا ، والذي يأتي على قول مالك في الموطأ : أيرضى البائع بقبض المعيب أو قبوله عند الحاكم إن لم يعلم ؟ وقيل : لا يكفي الثبوت حتى يحكم بالرد ولا خلاف في الدخول بعد الحكم ولو رضي البائع بالقبض وامتنع المبتاع حتى يرد الثمن فهلك جرى على الخلاف في المحبوسين بالثمن ، وقال ( ش ) : لا يفتقر [ ص: 86 ] الرد إلى حضور البائع ولا رضاه ولا حكم حاكم قبل القبض ولا بعده .

                                                                                                                وقال ( ح ) : قبل القبض يفتقر إلى حضوره دون رضاه ، وبعد القبض يفتقر إلى رضاه ; لأن ملكه تم على الثمن ، فيتقرر نقله عنه إلى رضاه لو حكم حاكم ، وجوابه : أنه رفع مستحق بالعقد ، فله الاستقلال به كالطلاق .

                                                                                                                سؤال : كيف يستقيم قولنا : نقض العقد من جنبه ، أو من أصله ، والرافع يستحيل رفعه ؟ وهذه العبارة عند غيرنا من المذاهب ، فإن قلت : المراد رفع الآثار ، قلت : الآثار واقعة أيضا يستحيل رفعها ، فيتعين أنه رفع الآثار دون العقد .

                                                                                                                جوابه : إن معنى قولنا : من أصله أي : أنا حكمنا الآن بعدم دوام تلك الآثار ، وبأن الموجود منها معدوم تقديرا لا تحقيقا .

                                                                                                                وشأن الشرع في التقديرات إعطاء الموجود حكم المعدوم ، كالنجاسة مع الضرورة ، والضرر اليسير ، ونظائره كثيرة ، وإعطاء المعدوم حكم الموجود كتقدير الملك سابقا في العتق على العتق ، وتقدير ملك الدية سابقا على الموت حتى يصح إرثه .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية