الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          [ ص: 273 ] فصل : الرابع : ألا يكون أبا للمقتول فلا يقتل والد بولده ، وإن سفل والأب والأم في ذلك سواء . ويقتل الولد بكل واحد منهما في أظهر الروايتين . ومتى ورث ولده القصاص ، أو شيئا منه ، أو ورث القاتل شيئا من دمه سقط القصاص ، فلو قتل امرأته وله منها ولد ، أو قتل أخاها فورثته ، ثم ماتت فورثها ، أو ولده - سقط عنه القصاص . ولو قتل أباه ، أو أخاه فورثه أخواه ، ثم قتل أحدهما صاحبه سقط القصاص عن الأول ; لأنه ورث بعض دم نفسه ، ولو قتل أحد الابنين أباه ، والآخر أمه ، وهي زوجة الأب سقط القصاص عن الأول كذلك ، وله أن يقتص من أخيه ويرثه ، وإن قتل من لا يعرف وادعى كفره ، أو رقه ، أو ضرب ملفوفا فقده وادعى أنه كان ميتا وأنكر وليه .

                                                                                                                          أو قتل رجلا في داره وادعى أنه دخل يكابره على أهله ، أو ماله فقتله دفعا عن نفسه وأنكر وليه ، أو تجارح اثنان وادعى كل واحد أنه جرحه دفعا عن نفسه وجب القصاص ، والقول قول المنكر .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( الرابع : ألا يكون أبا للمقتول ) لأنه لو لم يكن من شروطه لقتل به ، واللازم منتف ( فلا يقتل الوالد بولده ) نص عليه لما روى ابن عباس مرفوعا لا يقتل والد بولده رواه ابن ماجه ، ، والترمذي من رواية إسماعيل بن مسلم المكي ، ورواه أحمد ، ، والترمذي ، ، وابن ماجه من رواية حجاج بن أرطأة ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن عمر ، قال ابن عبد البر : هو حديث مشهور عن أهل العلم بالحجاز والعراق يستغنى بشهرته ، وقبوله ، والعمل به عن الإسناد حتى يكون الإسناد في مثله مع شهرته تكلفا ، وقال - عليه السلام - : أنت ومالك لأبيك فمقتضى هذه الإضافة تمليكه إياه ، فإذا لم تثبت حقيقة الملكية تثبت الإضافة شبهة في إسقاط القصاص ، وظاهره ولو اختلفا دينا وحرية ; لأنه كان سببا في إيجاده ، فلا يكون سببا في إعدامه إلا أن يكون ولده من رضاع ، أو زنا ، فإنه يقتل به ، قال في " عيون المسائل " : ولا يلزم الزاهد العابد ، فإن معه من الدين ، والشفقة ما يردعه عن القتل; لأن رادعه حكمي ، وهو ضعيف ، ورادع الأب طبعي ، وهو أقوى بدليل أنه لا يمكنه إزالته ( وإن سفل ) أي : لا يقتل والد بولده ، وإن نزل ; لأن الجد وإن علا والد فيدخل في الحديث ، ولأن ذلك حكم يتعلق بالولادة فاستوى فيه القريب والبعيد كالمحرمية ، والمعتق عليه إذا ملكه فوجب تساويهما في الحكم ( والأب والأم في ذلك سواء ) لأنها أحد الوالدين فيشملها الخبر ، ولأنها أولى بالبر منه ، فعلى هذا الجدة ، وإن [ ص: 274 ] علت من قبل الأب والأم كالأم ، ولو قال : وأم كأب في ذلك لكان أولى ، وعنه : تقتل أم به ، نقلها مهنا في أم الولد قتلت سيدها عمدا تقتل ، قال : من يقتلها ؛ قال : ولدها وكالأخ ، وعنه : يقتل أب به ، وقاله ابن عبد الحكم ، ، وابن المنذر للعمومات وكالأجنبيين ، وقال مالك : إن قتله حذفا بالسيف ونحوه لم يقتل به ، وإن أضجعه وذبحه قتل به ، وجوابه : أن الأب يفارق سائر الناس ، فإنهم لو قتلوا بالحذف بالسيف وجب عليهم القصاص ، والأب بخلافه ، وقيل : يقتل أبو أم بولد بنته وعكسه ، وفي " الروضة " : لا تقتل أم ، والأصح وجدة ، وفي " الانتصار " : ولا يجوز للابن قتل أبيه بردة وكفر بدار حرب ، ولا رجمه بزنا ، ولو قضي عليه برجم ، وعنه لا قود بقتل في دار حرب فتجب دية إلا لغير مهاجر .

                                                                                                                          تذنيب : ادعى اثنان نسب لقيط ، ثم قتلاه قبل لحوقه بأحدهما ، فلا قود ، فإن رجع أحدهما عن الدعوى ، أو ألحقته القافة بغيره انقطع نسبه منه وعليه القود ، وإن رجعا عنه لم يقبل منهما; لأن النسب حق للولد ، فإن بلغ انتسب إلى أحدهما ، وقلنا : يصح انتسابه ، فهل يقتل الآخر به ؛ فيه وجهان ، وإن اشترك اثنان في وطء امرأة فأتت بولد يمكن أن يكون منهما فقتلاه قبل لحوقه بأحدهما ، فلا قود ، ولو أنكر أحدهما النسب لم يقتل به لبقاء فراشه مع إنكاره ( ويقتل الولد بكل واحد منهما في أظهر الروايتين ) هذا هو الصحيح للآية والأخبار وموافقة القياس ، والثانية : لا يقتل به ; لأنه ممن لا تقبل شهادته لحق النسب ، فلا يقتل به كالأب مع ابنه ، وجوابه : بأن قياسه على الأب [ ص: 275 ] ممتنع لتأكد حرمته ، ولأنه إذا قتل بالأجنبي فبأبيه أولى ، ولأنه يحد بقذفه فيقتل به كالأجنبي لا يقال قد روى سراقة مرفوعا أنه قال : لا يقاد الأب من ابنه ، ولا الابن من أبيه . وروي عنه : " أنه كان يقيد الابن من أبيه " لأنهما خبران لا يعرفان ، ولا يوجدان في الكتب المشهورة ، وإن كان لهما أصل فهما متعارضان فيتعين سقوطهما ، والعمل بالنصوص الواضحة غيرهما ( ومتى ورث ولده القصاص ، أو شيئا منه ) سقط القصاص ; لأنه لو لم يسقط لوجب للولد على الوالد ، وهو ممنوع ; لأنه إذا لم يجب بالجناية عليه فلأن لا يجب بالجناية على غيره بطريق الأولى ( أو ورث القاتل شيئا من دمه سقط القصاص ) لأنه لو لم يسقط لوجب القصاص له على نفسه ، وهو ممنوع ( فلو قتل امرأته وله منها ولد ) فلا قود ; لأنه لو وجب لوجب لولده عليه ، وإذا لم يجب للولد بالجناية عليه فغيره أولى ، وسواء كان الولد ذكرا ، أو أنثى ، أو كان للمقتول من يشاركه في الميراث ; لأنه لو ثبت القود لوجب له جزء منه ، ولا يمكن وجوبه ، وإذا سقط بعضه سقط كله ; لأنه لا يتبعض كما لو عفا أحد الشريكين ( أو قتل أخاها فورثته ، ثم ماتت فورثها ، أو ولده سقط عنه القصاص ) لأنها ترث النصف إن كان الأخ لأبويها ، أو أبيها ، والسدس إن كان لأمها إذا كان معها من يرث بقية المال ، والجميع إن لم يكن معها أحد ، وهو ظاهر كلام المؤلف ، فلما ماتت ورث شيئا من الدم ، أو ورث ولده ذلك وهو مقتضى سقوط القصاص ، سواء كان لها ولد من غيره ، أو لا لأنه لا يتبعض ، وعنه : لا يسقط بإرث الولد ، اختاره بعضهم ، فإن لم يكن للمقتول ولد منها وجب [ ص: 276 ] القصاص في قول أكثرهم ; لأنهما شخصان متكافئان يحد كل منهما بقذف الآخر فيقتل به كالأجنبيين ( ولو قتل أباه ، أو أخاه فورثه أخواه ، ثم قتل أحدهما صاحبه سقط القصاص عن الأول ; لأنه ورث بعض دم نفسه ) لأن أخويه يستحقان دم أبيهما ، فإذا قتل أحدهما صاحبه ورث القاتل الأول ما كان يستحقه المقتول ; لأنه أخوه ، فعلى هذا يستحق نصف دمه ; لأن دم الأب بين الأخوين نصفان ، ضرورة أن القاتل لا يرث ، وإن قتل الثاني الأول ، ثم الثالث الرابع قتل الثالث دون الثاني لإرثه نصف دمه عن الرابع وعليه نصف دية الأول للثالث



                                                                                                                          ( ولو قتل أحد الابنين أباه ، والآخر أمه ، وهي زوجة الأب سقط القصاص عن الأول كذلك ) وهو قاتل الأب ; لأنه ورث بعض دم نفسه وذلك ثمن دم الأب ( وله أن يقتص من أخيه ويرثه ) إذا قتل أكبر الأخوين لأبوين أباهما وأصغرهما أمهما مع الزوجية ، فلا قود على الأكبر لما ذكرنا لإرثه ثمن دمه عن أمه وعليه سبعة أثمان دية أبيه للأصغر ، وله قتله وإرثه في الأصح ; لأن القتل بحق لا يمنع الميراث ، وإن كانت بائنا ، أو قتلاها معا مطلقا فلكل واحد قتل أخيه ، فإن تنازعا في السبق بالاستيفاء قدم من قرع ، ويحتمل أن يبدأ بقتل القاتل الأول ، واختاره ابن حمدان



                                                                                                                          ( وإن قتل من لا يعرف وادعى كفره ، أو رقه ) لم يقبل ; لأنه محكوم بإسلامه بالدار ، ولهذا يحكم بإسلام اللقيط ، ولأن الأصل الحرية ، والرق طارئ ( أو ضرب ملفوفا فقده وادعى أنه كان ميتا وأنكر وليه ) لم يقبل قوله ; لأن الأصل الحياة كما لو قطع طرفه وادعى أنه كان مثله ; لأن الأصل السلامة ، وذكر في " الواضح " عن أبي [ ص: 277 ] بكر : لا يضمنه . وأطلق ابن عقيل في موته وجهين . وسأل القاضي : أفلا يعتبر بالدم وعدمه ؛ قال : لا لم يعتبره الفقهاء ، قال في " الفروع " : ويتوجه ، يعتبر ( أو قتل رجلا في داره وادعى أنه دخل يكابره على أهله ، أو ماله فقتله دفعا عن نفسه وأنكر وليه ) وجب القصاص بغير خلاف نعلمه ; لأن الأصل عدم ما يدعيه ، سواء وجد في دار القاتل ، أو غيرها معه سلاح أو لا ; لما روي عن علي أنه سئل عمن وجد مع امرأته رجلا آخر فقتله ، فقال : إن لم يأت بأربع فليعط برمته . رواه سعيد ورجاله ثقات ، قال في " الفروع " : ويتوجه عدمه في معروف بالفساد ، وظاهره أن الولي إذا اعترف بذلك ، فلا قصاص ، ولا دية لقول عمر ، رواه سعيد ، وهو منقطع ، وروي عن الزبير نحوه ، ولأن الخصم اعترف بما يبيح قتله فسقط حقه كما لو أقر بقتله قصاصا ( أو تجارح اثنان وادعى كل واحد أنه جرحه دفعا عن نفسه ) وأنكره الآخر ( وجب القصاص ) لأن سبب القصاص قد وجد ، وهو الجرح ، والأصل عدم ما يدعيه الآخر ( والقول قول المنكر ) وفي " المذهب " ، و " الكافي " تجب الدية ، ونقل أبو الصقر ، وحنبل في قوم اجتمعوا في دار فجرح وقتل بعضهم بعضا ، وجهل الحال : أن على عاقلة المجروحين دية القتلى يسقط منها أرش الجراح ، قضى به علي رضي الله عنه . رواه أحمد ، وهل على من ليس به جرح من دية القتلى شيء ؛ فيه وجهان ، قاله ابن حامد .

                                                                                                                          فرع : ادعى زنا محصن بشاهدين ، نقله ابن منصور ، ونقل أبو طالب [ ص: 278 ] بأربعة ، قبل ، وإلا ففيه باطنا وجهان ، وقيل : وظاهرا ، لكن كلام أحمد وغيره لا فرق بين كونه محصنا أو لا ، روي عن عمر ، وعلي وصرح به الشيخ تقي الدين ; لأنه ليس بحد ، وإنما هو عقوبة على فعله وإلا لاعتبرت شروط الحد ، وقال الشافعي : له قتله فيما بينه وبين الله تعالى إذا كان الزاني محصنا . وللمالكية قولان في اعتبار إحصانه .




                                                                                                                          الخدمات العلمية