الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل : ولا يستوفى القصاص إلا بحضرة السلطان . وعليه تفقد الآلة التي يستوفى بها القصاص ، فإن كانت كالة منعه الاستيفاء بها وينظر في الولي ، فإن كان يحسن الاستيفاء ويقدر عليه أمكنه منه وإلا أمره بالتوكيل ، فإن احتاج إلى أجرة فمن مال الجاني . والولي مخير بين الاستيفاء بنفسه إن كان يحسن وبين التوكيل ، وقيل : ليس له أن يستوفي في الطرف بنفسه بحال ، وإن تشاح أولياء المقتول في الاستيفاء قدم أحدهم بالقرعة .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( ولا يستوفى القصاص إلا بحضرة السلطان ) أو نائبه لأنه يفتقر إلى اجتهاده ، ولا يؤمن فيه الحيف مع قصد التشفي ، فلو خالف وقع الموقع ; لأنه [ ص: 289 ] استوفى حقه ، وفي " المغني " ، و " الشرح " يعزره لافتئاته على السلطان ، وفي " عيون المسائل " : لا يعزره ; لأنه حق له كالمال ، ويحتمل جوازه بغير حضرته إذا كان القصاص في النفس ; لأنه - عليه السلام - أتاه رجل يقود آخر ، فقال : إن هذا قتل أخي فاعترف بقتله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اذهب فاقتله رواه مسلم . ولأن اشتراط حضوره لا يثبت إلا بدليل ، ولم يوجد ويستحب حضور شاهدين لئلا ينكر المقتص الاستيفاء ( وعليه تفقد الآلة التي يستوفى بها القصاص ) لأن منها ما لا يجوز الاستيفاء به ( فإن كانت كالة ) أو مسمومة ( منعه الاستيفاء بها ) لقوله صلى الله عليه وسلم : إذا قتلتم فأحسنوا القتلة رواه مسلم من حديث شداد ، ولئلا يعذب المقتول ، ولأن المسمومة تفسد البدن وربما منعت غسله ، وإن عجل فاستوفى بذلك عزر لفعله ما لا يجوز ( وينظر في الولي ، فإن كان يحسن الاستيفاء ويقدر عليه ) بالقوة ، والمعرفة ( أمكنه منه ) لقوله تعالى : ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا [ الإسراء : 33 ] وللخبر ، وكسائر حقوقه ، ولأن المقصود التشفي ، وتمكينه منه أبلغ في ذلك ، فإن ادعى المعرفة بالاستيفاء فأمكنه السلطان منه بضرب عنقه فأبانه فقد استوفى حقه ، وإن أصاب غيره وأقر بتعمد ذلك عزر ، فإن قال أخطأت ، وكانت الضربة في موضع قريب من العنق قبل قوله مع يمينه ، ثم إن أراد العود فقيل : لا يمكن ; لأنه ظهر منه أنه لا يحسن ، وقيل : بلى ، واختاره القاضي ; لأن الظاهر أنه يحترز عن مثل ذلك ثانيا ( وإلا أمره بالتوكيل ) لأنه عاجز عن استيفائه فيوكل فيه من يحسنه ; لأنه قائم مقامه ( فإن احتاج إلى أجرة فمن مال الجاني ) كالحد [ ص: 290 ] ولأنها أجرة لإيفاء ما عليه من الحق ، فكانت لازمة له كأجرة الكيال ، وقال أبو بكر : تكون من الفيء ، فإن لم تكن فمن الجاني ، وذكر المؤلف في " الكافي " أن بدل العوض من بيت المال ، فإن لم تكن فمن الجاني ، والذي ذكره أبو بكر ، والقاضي في " خلافيهما " أن الأجرة على الجاني ، قال في " الشرح " وذهب بعض أصحابنا أنه يرزق من بيت المال رجل يستوفي الحدود ، والقصاص ; لأن هذا من المصالح العامة ، فإن لم يحصل ، فعلى الجاني لأن الحق عليه فيلزمه أجرة الاستيفاء كأجرة الوزان ويتوجه لو قال : أنا أقتص من نفسي ، ولا أؤدي أجرة ، هل يقبل منه أم لا ؛ وقيل : على المقتص ; لأنه وكيله ، فكانت الأجرة على موكله كسائر المواضع ، والذي على الجاني التمكين دون الفعل ، ولو كانت عليه أجرة الوكيل للزمه أجرة الولي إذا استوفى بنفسه ( والولي مخير بين الاستيفاء بنفسه إن كان يحسن وبين التوكيل ) هذا المذهب ; لأن التوكيل حق له ، فكان الخيرة فيه كسائر حقوقه ( وقيل : ليس له أن يستوفي في الطرف بنفسه بحال ) قدمه في " الكافي " ; لأنه لا يؤمن أن يجنى عليه بما لا يمكن تلافيه ، وقيل : يمنع منه فيهما كجهله ، واختاره ابن عقيل ، والأول أولى ، قال القاضي : ظاهر كلام أحمد أنه يمكن منه ; لأنه أحد نوعي القصاص فيمكن منه كالقصاص في النفس ( وإن تشاح أولياء المقتول في الاستيفاء قدم أحدهم ) لأنه لا يجوز اجتماعهم على القتل لما فيه من تعذيب الجاني وتعدد أفعالهم ، ولا مزية لأحدهم فوجب التقديم ( بالقرعة ) كما لو تشاحوا في تزويج موليتهم فمن خرجت له القرعة استأذن شركاءه في الاستيفاء ، ولا يجوز بغير إذنهم ; لأن الحق لهم [ ص: 291 ] فإن لم يتفقوا على توكيل أحد لم يستوف حتى يوكلوا ، وقال ابن أبي موسى : إذا تشاحوا أمر الإمام من شاء باستيفائه .

                                                                                                                          تنبيه : إذا اقتص جان من نفسه برضا ولي جاز ، قدمه في " المحرر " ، و " الرعاية " ، وجزم به في " الوجيز " ، وفي " المغني " ، و " الشرح " خلافه ، وأطلقهما في " الفروع " وصحح في " الترغيب " : لا يقع قودا ، وفي " البلغة " ‌‌‌‌‌‌‌‌‌يقع ، قال في " الرعاية " : ولو أقام حد زنا ، أو قذف على نفسه بإذن لم يسقط ، بخلاف قطع سرقة وله أن يختن نفسه إن قوي عليه وأحسنه . نص عليه ; لأنه يسير ، لا قطع في سرقة لفوات الردع ، وقال القاضي : على أنه لا يمتنع القطع بنفسه ، وإن منعناه فلأنه ربما اضطربت يده فجنى على نفسه ، ولم يعتبر على جوازه إذنا ، قال في " الفروع " : ويتوجه اعتباره ، وهل يقع الموقع ؛ يتوجه على الوجهين في القود ، ويتوجه احتمال في حد زنا ، وقذف وشرب كحد سرقة وبينهما فرق لحصول المقصود في القطع في السرقة ، وهو قطع العضو الواجب قطعه وعدم حصول الردع ، والزجر بجلده نفسه .




                                                                                                                          الخدمات العلمية