الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إذا أقام بدار كفر لا يستطيع أن يقيم فيها دينه

السؤال

أنا مسلم مهاجر في بلد غير مسلم، قد تخرجت من المحاسبة، وأرسلت إلى إحدى الدوائر الحكومية في القرى، والمسلم إذا عمل في الدوائر والمؤسسات الحكومية منع من الإيمان وإقامة الصلاة، وإذا فعلها طرد من العمل، أو يضطر إلى الكفر وترك الصلاة، ومع ذلك لا توجد مؤسسة وحركة إسلامية في هذه الأحوال، واضطررت إلى أن أعمل، لأنني خفت أن أقع في الضلالة. ولكن كثيراً من الناس لامني وزعم أنني أخطأت لأنني لم أجد عملاً ليس فيه ضرر في الدين.
دلوني كيف أفعل؟ وأعطوني حكم المسلم الذي يعمل في مؤسسات حكومية شيوعية؟ جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا يجوز لك البقاء في هذه البلاد، وعليك بالهجرة منها إلى بلدٍ إسلامي تستطيع أن تقيم دينك فيه، وعدم الهجرة في هذه الحالة من أكبر المحرمات إلا أن تكون عاجزاً عن الهجرة، فيرتفع عنك الإثم إلى حين القدرة على الهجرة، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً* إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً* فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً [النساء: 97-98-99].

قال ابن جرير الطبري: يعني جل ثناؤه بقوله: إن الذين توفاهم الملائكة، إن الذين تقبض أرواحهم الملائكة، ظالمي أنفسهم، يعني: مكسبي أنفسهم غضب الله وسخطه.

وقد بينا معنى الظلم في ما مضى قبل، قالوا فيم كنتم، يقول: قالت الملائكة لهم: فيم كنتم، في أي شيء كنتم من دينكم، قالوا كنا مستضعفين في الأرض، يعني: قال الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم: كنا مستضعفين في الأرض، يستضعفنا أهل الشرك بالله في أرضنا وبلادنا بكثرة عددهم وقوتهم، فيمنعوننا من الإيمان بالله، واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، معذرة ضعيفة وحجة واهية، قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها، يقول: فتخرجوا من أرضكم ودوركم، وتفارقوا من يمنعكم بها من الإيمان بالله واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، إلى الأرض التي يمنعكم أهلها من سلطان أهل الشرك بالله، فتوحدوا الله فيها وتعبدوه، وتتبعوا نبيه؟ يقول الله جل ثناؤه: فأولئك مأواهم جهنم، أي: فهؤلاء الذين وصفت لكم صفتهم، الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم، مأواهم جهنم، يقول: مصيرهم في الآخرة جهنم، وهي مسكنهم، وساءت مصيراً، يعني: وساءت جهنم لأهلها الذين صاروا إليها، مصيراً ومسكناً ومأوى. وراجع الفتوى: 20391.

ومتى ما كنت عاجزاً عن الهجرة واضطررت إلى عمل على نحو ما ذكرت، بحيث إنك لا تجد ما تأكل أو ما تشرب أو ما تلبس ونحو ذلك إلا بعمل تجبر فيه على عدم إظهار الإيمان، وإقامة الصلاة، فلك أن تعمل وتخفي إيمانك وتصلي سراً، ولا إثم عليك في هذه الحالة ولو ترتب على ذلك تأخير الصلاة عن وقتها، لأنك مكره، قال الله تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النحل:106]، وراجع الفتوى: 24683.

أما إذا كنت غير مضطر لهذا العمل حيث تجد غيره، أو أنك غير مضطر إليه لأنك تملك مالاً تستطيع أن تتعيش منه، فلا يجوز لك العمل فيه، وقد فصلنا الكلام في حكم عمل المسلم عند الكافر في الفتوى: 33338. وراجع للأهمية الفتاوى التالية: 17324، 33634.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى