الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

دراستي تشغلني عن الله والقرب منه.. فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أولاً: أود أن أشكركم على هذا الموقع الرائع، الله يكثر من أمثالكم، لأننا بحاجة لكم، والله يجزيكم عنا خيرا.

ثانيا: منذ نعومة أظافري تربيت ورعاية الله تحرسني، أنا الكبيرة من بين إخوتي، أبي عصبي جداً فوق الخيال، إلى حد أني عندما كنت صغيرة كنت أكرهه لأني أخاف منه، ولكن هو يحبني جداً وطيب جداً وعندما كبرت فهمت هذا الشيء وأحببته ولكن العصبية طبع متأصل فيه، بسبب هذه الظروف أنا عشت منطوية، عصبيته أثرت في جداً، وأمي كانت بعيدة عني وكنت أتحمل كثيراً، حتى المشاكل التي تحدث بين أبي وأمي كانوا يدخلوني فيها وأنا صغيرة إلى حد أني كرهت هذا، وكان لي شأن كبير بين إخواني، جميع هذه الظروف جعلتني أعيش منطوية، لم يكن لدي أصدقاء في الابتدائية ولا في الثانوية.

كل من عرفني قال عني أني متكبرة، وأنا لم أكن كذلك وليس بي كبر، شيء واحد أذكره أني عندما كنت صغيرة كنت أحافظ على الصلاة وأصوم من قبل البلوغ حتى كانوا يستغربون مني، وأنا لم أكن أعرف شيئا، ولكني أحسست بوجود ربي بجانبي، ولكني لم أكن أحبه، وكنت مركزة على ديني من غير أن يعلمني أي أحد، إلى أن التحقت بالكلية وتعرفت على صديقة، كانت تعرف وتحب الله، فاستغربت مني لماذا لا أحبه، وأنا لم أكن أفهم أصلا يعني ما هو حب الله، قالت أن يظهر عليك حبه، وأن أكون غير البنات، ومن بعدها فهمت معنى حب الله وفهمت تدبير الله لكل حياتي، والحكمة من أبي ومن أسرتي، كان ذلك من أجل أن أتقرب منه وأحبه، روحي تعلقت فيه، وصرت أناجيه وأبكي بين يديه وأشتاق له، سعادة الإنسان في الدنيا شعور لا يوصف!

آسفة على المقدمة الطويلة ولكن مشكلتي هي:

أنا أدرس الطب، ودراسة الطب تأخذ وقتي كله، وغير الهم والإرهاق النفسي والجسدي فيها، أنا من النوع الذي عندما أشتغل بدراستي أنسى كل شيء حتى نفسي، ولا أذكر شيئا غير الدراسة، وليس من عشقي لها، ولكن لأني مضطرة أنشغل بها، (ووقتها أضيع نفسي وبعدها أضيع ربي ويضيع الاستقرار وأضيع بجد).

أنا راحتي بمكان واحد، قرب ربي، ولما أضيعه أضيع، أعلم أن الدراسة هي طريق لربي، ولكنها تضيعني عن سعادتي، وأعلم أنها هي ليست السبب ولكني تعبت، أنا أريد ربي، صلاتي تصبح ميتة ولا أكلم ربنا ولا شيء، ومن كثرة البعد أعود وأستحي حتى أرفع يدي له.

باختصار أنا غير قادرة على أن أثبت على قربي من الله، وأنا إذا لم يكن ربنا موجودا بحياتي أضيع، وأنا غير قادرة أن أكون صحبة صالحة.

أرجوكم ساعدوني، أنا محتاجة لكم، ربنا هو الذي اختار لي الطب، لذا أنا متمسكة فيها، ولكني أريد حلا يجعلني في حال انشغالي وتعبي أكون بجانبه.

أسفه على الإطالة وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ دينا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتهن وبعد:

فأشكرك على تواصلك مع إسلام، وعلى كل التفاصيل التي وردت في رسالتك.

فيما ذكرتِه حول محبتك لله تعالى، هذا شيء عظيم، شيء مفرح للقلب، ولكن الذي لاحظته أنك تنتهجين سبيلاً قد لا يكون صحيحًا، وأقصد بذلك أن فكرتك الأولى أنك لم تكوني تحبين الله تعالى ثم بعد ذلك وبعد أن تعرفت على هذه الصديقة تحوّلت مشاعرك تحولاً إيجابيًا كبيرًا، وذلك من خلال ما اعتبرته المحبة المطلقة لله تعالى، هذا شيء نحن لا نستنكره أبدًا، على العكس تمامًا، نشجعك عليه، لكن أنت محتاجة أن تغيّري من مفاهيمك حقيقة، فمحبة الله تعالى تعني الالتزام القاطع بطاعته تعالى، قال تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يُحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم} كذلك حسن الظن به، والطاعة تكون في كل عمل، تكون في العبادة، وفي غير العبادة المكلف بها الإنسان، فالإنسان حين ينام أو يذهب إلى النوم، ويقرأ أذكار النوم هذا تقرب إلى الله تعالى، الإنسان حين يكون طيبًا، ويعامل الآخرين بالتي هي أحسن، هذا فيه كثير لمحبة الله تعالى، الإنسان حين يُجيد دراسته هذا محبة لله تعالى، الإنسان حين يكون بارًا بوالديه أليس هذا من محبة الله؟ وهكذا.

فلا يعني محبة الله تعالى أن تنقطعي من الدنيا وتتركي كل شيء، قال تعالى: {ولا تنس نصيبك من الدنيا} وكما قيل (اعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا، واعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا) ولا تعيشي على هذا الاعتقاد أن محبة الله تعالى يجب أن يكون الإنسان متفرغًا لها، الإنسان الذي يتفرغ ويقول أنه يعيش الآن في لحظة أو في أوقات كلها قائمة على محبة الله تعالى، لا أعتقد أن ذلك أمرًا صحيحًا، وليس عمليًا، محبة الله تعالى تعني طاعته، وطاعته تعني أن يكون الإنسان فعالاً في الحياة، مفيدًا لنفسه ولغيره، وذلك من خلال أعماله.
هذا من ناحية.

فإذن أرجو أن تقيمي بعض مفاهيمك هذه، وإن شاء الله تعالى سوف يفيدك أحد الإخوة المشايخ بصورة أفضل.

الأمر الثاني: أنت محتاجة لتعلم إدارة الوقت، وإدارة الوقت هي فن رائع جدًّا، خصصي أوقاتا لكل شيء، أوقاتا للراحة، أوقاتا للترفيه عن النفس، وأنت بدأت بالراحة والترفيه عن النفس لأنها أيضًا مطلوبة ومهمة في حياة الإنسان دون إسراف. خصصي وقتا للدراسة، وجميل أنك حريصة على دراستك، لكن يجب أن يكون هذا من خلال الانقطاع التام لذلك شاركي في أعمال المنزل مع أسرتك.

فإذن إدارة الوقت وتعدد الأنشطة هو أحد المخارج الرئيسية لك من هذه المشاعر الوسواسية التي تسيطر عليك، أنت الحمد لله بخير، وعلى خير، ومن وجهة نظري كل الأمر يحتاج منك فقط لإعادة نظر في بعض أفكارك المطبقة هذه، وفي ذات الوقت تنظيم الوقت مطلوب.

الأمر الآخر: يجب أن تكون علاقات طيبة مع الفتيات من زميلاتك وصديقاتك، والإنسان يحتاج للقدوة الطيبة الحسنة والنموذج الذي يقتدي به في هذه الدنيا، وأنت - إن شاء الله تعالى – على إدراك تام بذلك، أسأل الله تعالى أن يوفقك وأن يسدد خطاك.

أنت لست مريضة أبدًا، هذا أؤكده لك، هي مجرد نوع من الأفكار التي قد تحتاج لشيء من التعديل وتصحيح المفاهيم.

جزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

++++++++++++++++++++++++++++++
انتهت إجابة د. محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان، وتليها إجابة د. أحمد المحمدي المستشار التربوي.
++++++++++++++++++++++++++++++

أختنا الفاضلة : نسأل الله أن يثبتك على الطاعة وأن يحفظك من كل مكروه، وهذه الحرارة الموجودة في ضميرك هي إن شاء الله نابعة من تدينك وحبك لربك أرجو قراءة الكلام السابق مرة أخرى، وبشيء من الهدوء فقد وضع الدكتور محمد قلمه على مكمن الداء وأحب أن أضيف هنا أمرا واحدا وهو أن العبادة لا تقتصر على الصلاة بل الأصل أن تكون الحياة كلها محرابا يتعبد المرء فيه، فالطبيب في عمله، والصانع في مصنعه، والفلاح في أرضه الكل يتعبد إلى الله عز وجل بعلمه شريطة النية الصادقة.

وعليه فدراستك إن أردت به وجه الله عز وجل وجعلت النية خدمة دينك ودنياك فأنت مأجورة على ذلك إن شاء الله، بل أنت متعبدة لله عز وجل بهذا الجهد المبذول.

هذا التوافق بين عمل الدنيا والدين هو ما يجعلك قريبة من ربك وأنت في مذاكرتك كما أنت في عبادتك.

نسأل الله أن يوفقك، وأن يثبتك على طاعته وأن يحفظك من كل شر والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً