الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

همتي في العبادة ترتفع أحياناً وتهبط بسرعة وأملّ، فما توجيهكم؟

السؤال

الحمد لله مستحق الحمد بلا انقطاع، ومستوجب الشكر بأقصى ما يستطاع، الوهاب المنان، الرحيم الرحمن، المدعو بكل لسان، المرجو للعفو والإحسان، الذي لا خير إلا منه، ولا فضل إلا من لدنه، أسبغ علينا النعم، ودفع عنا البلايا والنقم، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، الجميل العوائد، الجزيل الفوائد، أكرم مسؤول وأعظم مأمول، علام الغيوب، مفرج الكروب، مجيب دعوة المضطر المكروب، كشف الضر عن أيوب، ونصر الرسول المحبوب، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، البشير النذير والسراج المنير، نبي الله ومأتباه، ورسوله ومصطفاه، خاتم النبيين، وإمام المتقين، وقائد الأولياء المقربين، وحجة الله على البشر أجمعين. أما بعد:

أشكركم على هذا الموقع الجميل (إسلام ويب) وأسأل الله أن يجعله في ميزان حسناتكم، ويرفعكم به إلى الدرجات العلى.

سؤالي -أيها الأحبة- هو كالتالي:
أنا شاب أبلغ من العمر 14 أحفظ المصحف كاملاً والحمد لله، أحب التقرب إلى الله بالعبادات وقيام الليل، ولكن هناك مشكلة لدي، وهي: في بعض الأوقات ترتفع عزيمتي وهمتي، ويرق قلبي، وأقوم بجميع العبادات، مثل: سنن الوضوء، الضحى، السنن الرواتب، قيام الليل، وأستمر في ذلك، ولكن سرعان ما تهبط الهمة والعزيمة، ويتحجر قلبي عن العبادة، وأكسل وأمل؛ مما يجعلني أهملها كلها حتى إنني أصل في بعض الأوقات إلى أن أترك بعض الفروض والعياذ بالله.

هل هناك حل لهذه المشكلة؟ وهل يمكنني أن أستمر في عبادتي وتوبتي أم أن علي أن أعبد الله بالتدريج؛ حتى أتعود وأصبح كثير الخشية من الله جل جلاله؟ أفيدونا أفادكم الله، وادعوا لي بالثبات على طاعة رب الأرباب حتى ألقاه.

إن شاء الله لكم الأجر الجزيل، والخير الكثير، وأسأل الله أن يجمعنا وإياكم في جنات الفردوس مع الذين أنعم عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين. آمين، اللهم آمين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحباً بك -أيها الولد الحبيب- في استشارات إسلام ويب، نحن سعداء بتواصلك معنا -أيها الحبيب- ونسأل الله تعالى دوام التوفيق والهداية والصلاح، نحن نشكرك -أولاً- لتدينك وحرصك على عمل الخيرات، وبذلك الجهد في حفظ كتاب الله تعالى، ونأمل -إن شاء الله- أن يكون لك مستقبل حسن في دنياك وفي آخرتك.

أما ما سألت عنه -أيها الحبيب- من الرغبة في العمل الصالح في بعض الأحيان، والفتور عنه في أحيان أخرى، في الأصل أن هذا أمر طبيعي في الإنسان، أن تعتريه وأن تتناوب عليه الأحوال، فيجد مرة رغبة في الشيء ومرة فتوراً عنه، وهذا في حد ذاته أمر لا يسوء، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث الصحيح الذي رواه ابن حبان في الصحيح وغيره: (إن لكل عمل شرة، وإن لكل شرة فترة، فمن كانت شرته إلى سنتي فقد أفلح، ومن كانت شرته إلى غير ذلك فقد هلك) فهذا الحديث العظيم يبين فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الإنسان الصالح يجد في نفسه أحياناً وفي قلبه رغبة وحرصاً، والشرة بمعنى الحرص والرغبة، يجد في نفسه رغبة وحرصاً على عمل الخير والإكثار منه، وقد يعقب ذلك الحال حالٌ آخر يكون فيه فتور، وهذا أمر طبيعي، لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- يحذر من أن يكون الفتور قائداً إلى التفريط في الواجبات، أو الوقوع في المحرمات.

فمن كانت فترته توصله إلى ذلك فقد هلك، فحاول -أنت أيها الحبيب- أن تستغل أوقات الرغبة والنشاط في الإكثار من النوافل ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، فإذا وجدت في نفسك فتوراً ورغبة فلا حرج عليك في أن تسلي النفس، وتدخل عليها السرور بما تشتهيه من المباحات، لكن لا تسمح لها بالتهاون في الفروض بتضييع ما أمر الله تعالى به، أو ارتكاب ما حرمه الله عز وجل، ارتكاب ما حرمه الله ونهى عنه، كل ما يعينك على الثبات على هذا الطريق: الرفقة الصالحة، الشباب الطيبون، فأنت إذا أكثرت من مجالستهم؛ فإنك ستأمن -بإذن الله تعالى- من الوقوع في المحرمات أو التقصير في الواجبات.

لا تكره نفسك ولا تكره قلبك على فعل بعض النوافل في الأحيان التي تكون أنت فيها غير راغب، فقد قال الإمام علي -رضي الله تعالى عنه-: [القلب إذا أكره عمي] فإذا مللت شيئاً فلا تكره نفسك عليه، وانتقل إلى غيره، فالأعمال الصالحة كثيرة ومتنوعة ولله الحمد، فانتقل من قراءة القرآن إلى ذكر الله تعالى بالتسبيح والتهليل والتحميد، إلى تعلم العلم الشرعي في الفقه، في العقائد، في اللغة، إلى غير ذلك من أنواع العلوم، تحول إلى عمل آخر من أعمال الخير، كمساعدة المحتاجين فيما يحتاجونه من المساعدة، ببدنك إن قدرت، في تعليم الجاهل، في نصح من يحتاج إلى نصح، في زيارة الأقارب، في صلة الأرحام، فالأعمال الخيرة -ولله الحمد- كثيرة، وللنفس فيها فرجة وفسحه، فإذا ملت شيئاً انتقلت بها إلى غيره، وبهذا تستطيع أن تداوم وتستمر على العمل الصالح دون ملل ولا سآم.

لا حرج عليك -أيها الحبيب- في أن تأخذ قسطاً من التسلي بالمباح؛ ليكون عوناً لك على فعل الطاعات، فإذا سلكت هذا الطريق فإنك -بإذن الله تعالى- ستصل إلى ما ترجوه وتأمله.

نسأل الله بأسمائه وصفاته أن يزيدك هدى وصلاحاً، وأن يثبتنا وإياك على الحق والخير حتى نلقاه. إنه جواد كريم.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً