الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لا ينفق على زوجته وأبنائه بحجة لكونهم لا ينزلون عند رغباته

السؤال

ما قولكم فيمن لا ينفق على زوجته وأبنائه بحجة أنهم لا ينزلون عند رغباته (مثال قال لي ادرس الرياضيات وأنا أحب الميكانيك)، قال لي لا تفعل ما أريد!!, إذن لن تأخذ ولو سنتا واحدا مني, وأصبح لا ينفق لا على أمي ولا على إخوتي ودخله الشهري يكفي 3 أسر في بلادنا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فغير خاف على مسلم وجوب بر الوالدين وطاعتهما في المعروف، وأن هذا من أعظم القربات وأجل الأعمال الصالحات التي يتقرب بها المتقربون لربهم، وعليه فلو استطاع الابن أن يوافق أباه في كل ما يأمره به دون أن يتضرر، فينبغي له أن يفعل ذلك، ولكن في الوقت نفسه لا يجوز لأحد الوالدين أن يتعسف في استعمال هذا الحق فيعنت ولده.. وعليه فلا يجوز لهذا الأب أن يجبر ابنه على دراسة علم معين لا يريده الابن، ولو خالف الابن في ذلك لا يكون عاقاً، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ليس للأبوين إلزام الولد بنكاح من لا يريد، فلا يكون عاقاً كأكل ما لا يريد، أي أكله. انتهى.

ورحم الله ابن القيم إذ قال كلاماً جيداً بهذا الخصوص، قال: ومما ينبغي أن يعتمد حال الصبي وما هو مستعد له من الأعمال ومهيأ له منها فيعلم أنه مخلوق له فلا يحمله على غيره ما كان مأذوناً فيه شرعاً، فإنه إن حمل على غير ما هو مستعد له لم يفلح فيه، وفاته ما هو مهيأ له، فإذا رآه حسن الفهم صحيح الإدراك جيد الحفظ واعياً فهذه علامات قبوله وتهيئه للعلم... وإن رآه بخلاف ذلك من كل وجه وهو مستعد للفروسية وأسبابها.. وأن لا نفاذ له في العلم ولم يخلق له مكنه من أسباب الفروسية والتمرن عليها، فإنه أنفع له وللمسلمين، وإن رآه بخلاف ذلك وأنه لم يخلق لذلك ورأى عينه مفتوحة إلى صنعة من الصنائع مستعداً لها وهي صناعة مباحة، نافعة للبشر فليمكنه منها هذا كله بعد تعليمه له ما يحتاج له من دينه.. انتهى.

وعليه؛ فما قام به هذا الأب من إعنات ولده لا يجوز، وما قام به من قطع النفقة عن زوجته لا يجوز وهو ظلم مبين، فإن نفقة الرجل على زوجته وأبنائه الصغار وبناته اللاتي لم يتزوجن واجبة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت. رواه أبو داود وغيره وحسنه الألباني.

أما أبناؤه البالغون الذين لا مال لهم ولا كسب، فقد اختلف فيهم العلماء، قال في سبل السلام: وإيجاب نفقة الولد على أبيه وإن كان كبيراً، قال ابن المنذر: اختلف في نفقة من بلغ من الأولاد ولا مال له ولا كسب، فأوجب طائفة النفقة لجميع الأولاد أطفالاً كانوا أو بالغين، إناثاً أو ذكراناً إذا لم يكن لهم أموال يستغنون بها عن الآباء، وذهب الجمهور إلى أن الواجب الإنفاق عليهم إلى أن يبلغ الذكر وتتزوج الأنثى، ثم لا نفقة على الأب إلا إذا كانوا زمنى، فإن كانت لهم أموال فلا وجوب على الأب. انتهى.

فيجب على الأب أن ينفق على أبنائه ما داموا صغاراً غير قادرين على الكسب، فإذا بلغوا وصاروا قادرين على الكسب فلا تجب عليه نفقتهم عند جمهور العلماء، وذهب الحنابلة إلى أن النفقة تجب لهم كباراً إذا كانوا فقراء، وتراجع في ذلك الفتوى رقم: 27231.

وعليه، فلا يجب على الأب على قول الجمهور أن ينفق على الأبناء بعد البلوغ وإن كانوا مشتغلين بالدراسة، ولا تدخل نفقات الدراسة ضمن النفقة الواجبة، كما تقدم بيان ذلك في الفتوى رقم: 59707.

ويندب للأب أن ينفق على أبنائه في هذه الحال، ويحصل على أجر الصدقة والصلة، وفي الحديث: الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم ثنتان: صدقة وصلة. رواه الترمذي.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني