الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

منع الوارث نصيبه في الميراث كبيرة من الكبائر

السؤال

شيخنا الفاضل جزاكم الله خيرا و أرجو أن يتسع صدركم لقراءة رسالتي كاملة والإسهاب في إفادتي حيث إني أنوي إرسال ردكم إلى والدتي وإخوتي عسى أن يجعل الله لي مخرجا على يدكم.
أنا متزوجة، 29 عاما، مقيمة في كندا مع زوجي و ثلاثة أولاد. لدي أختان -28 و 27 عاما- و أخي 20 عاما، والدتي وإحدى أخواتي مقيمتان في كندا، وأخي و أختي الأخرى مقيمان في الإمارات. توفي والدي في 26/10/2006 بحادث سيارة في الإمارات عسى الله أن يغفر له و يرحمه, بعد أن أمضى 30 عاما يعمل في الإمارات كمدير فرع لأحد البنوك الرائدة في الدولة. بعد الوفاة أجبرتني والدتي على التوقيع على وكالة عامة مطلقة لأختي المقيمة في الامارات- كانت ترغب أن يتم الموضوع دون علم زرجي مدعية أن هذا الأمر لايعنيه و شرعا يجب أن لا يعلم به ولا يتدخل- بهدف إتمام إجراءات الإرث و حلفت ووضعت يدها على المصحف الشريف مرتين بأنها ستعطيني حقي كاملا وهذا ما لم يتم لحد الآن فلم أستلم درهما منهم، علما أني طالبتها به أكثر من مرة و كان ردها دائما بأنه لايوجد شيء وأن ما ترك هو حقي أنا-أي والدتي-حيث كنت أعمل وأعطي والدي راتبي. علما أنه قد حصل تغيير كبير جدا في مستوى معيشتهم في كندا من شراء بيت فخم بحدود 400 ألف دولار و سيارة ..و..و.. و أسمع أن أختي وزوجها يعيشون حياة مترفة في الامارت، مع العلم بأنهم توظفوا بعد وفاة والدي وفي كندا لا يعملون. أرجوا تفضلكم بالإجابة على أسئلتي التالية:
هل يصح شرعا إبعاد زوجي عن كل هذه الأمور علما أني أعيش مع زوجي سعيدة منذ 12 عاما، وهو ابن عمتي وممن يخافون و يتقون الله؟
هل جائز شرعا ما تدعيه والدتي من حقها في الارث كونها كانت تعطي والدي راتبها؟ ما عاقبة حلف والدتي على المصحف مرتين وعدم تنفيذ الحلف علما أنها تصلي و تصوم؟ من المسؤول عن تضيع حقي أمام الله؟ وما السبيل للمطالبة به علما أن مستوى معيشتي الحالي أقل بكثير منهم. و أن قلبي يحترق عندما أجدهم يسرفون ببذخ من مالي؟ هل أنا مذنبة إذا قلت لهم لن أسامحكم في حقي؟ أفيدوني أفادكم الله؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الله سبحانه وتعالى قد تولى قسمة التركات بنفسه ولم يكلها إلى نبي مرسل ولا ملك مقرب، فيجب على المسلم أن يلتزم بذلك ولا يتعدى حدود الله. وقد قال الله تعالى: وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ. {النساء:14} .

فمنع الوارث من حقه في الميراث كبيرة من الكبائر وراجعي في ذلك فتوانا رقم: 119048.

أما إدخال الزوج في هذه المسألة فلا نعلم مانعاً من جواز ذلك، فإن رأيتِ مصلحة في إدخاله في هذا الأمر فلا حرج في ذلك.

وكون والدتك كانت تعطي راتبها لزوجها لا يعطيها الحق في الاستئثار بالتركة، ولكن إن ثبت بالبينة أن والدك كان يأخذ هذا المال بغير رضاها فلها أن تأخذ من التركة قدر هذا المال، فليس للزوج أن يأخذ من راتب زوجته إلا ما أذنت له فيه إلا أن يكون شرط عليها منه جزءا لقاء إذنه لها بالخروج للعمل .

أما حلف والدتك على إعطائك حقك فيجب عليها أن تبر به، فإن منع الوارث من حقه كبيرة كما قدمنا، والحلف على فعل الواجب يزيده تأكيداً .

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: لا يغير اليمين حال المحلوف عليه عما كان عليه قبل اليمين: وجوبا, وتحريما, وندبا, وكراهة, وإباحة, وبناء على ذلك، إن حلف على فعل واجب, أو ترك حرام فيمينه طاعة, والإقامة عليها واجبة, والحنث معصية, وتجب به الكفارة. انتهـى .

وإذا لم ترض أسرتك بإعطائك نصيبك من الميراث فلا حرج في قولك لهم لن أسامحكم في حقي، فإن للمظلوم أن يدعو على ظالمه. قال الله تعالى: لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا .{ النساء:148}.

وذكر الحافظ ابن كثير في تفسيره عن ابن عباس في الآية يقول: لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد إلا أن يكون مظلوما فإنه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه، وذلك قوله: إلا من ظلم. وإن صبر فهو خير له. انتهـى .

ولكن العفو وإن كان شاقاً على النفوس فإن له منزلة عظيمة، ويتأكد هذا في مثل حالتك ؛ فإن في العفو عنه محافظة على صلة الرحم وبراً بوالدتك، وراجعي في فضل العفو الفتاوى الآتية أرقامها: 111346، 113587 ، 113608 .

والذي ننصح به الأخت السائلة أن توسط أهل العلم بينها وبين أسرتها حتى تحل المشكلة ويأخذ كل ذي حق حقه، وأن تحافظ على بر والدتها وصلة رحمها، وإن علمت أن أسرتها يصرون على منعها من الميراث فلترفع الأمر إلى المحكمة الشرعية لتنظر في القضية.

وننبهك إلى أن العمل بالبنوك الربوية محرم، والراتب المأخوذ مقابل العمل فيها يجب التخلص منه في وجوه البر ومصالح المسلمين، وراجعي الفتوى رقم: .116420 .

ومن ورث مالاً يشتمل على حلال وحرام يجب عليه التخلص من قدر الحرام .قال الإمام النووي في المجموع: من ورث مالا ولم يعلم من أين كسبه مورثه أمن حلال أم من حرام؟ ولم تكن علامة فهو حلال بإجماع العلماء، فإن علم أن فيه حراما وشك في قدره أخرج قدر الحرام بالاجتهاد. انتهى. وراجعي الفتوى رقم: . 554310

نسأل الله تعالى أن يصلح بينك وبين أسرتك، وأن يبارك لك في زوجك وأولادك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني