الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المسلم وغير المسلم في ظل الدولة في الإسلام

السؤال

ما شرعية القول بأن الدولة الإسلامية هي دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية؟ ومعلوم أن كل شخص في الدولة الإسلامية له حق كمواطن، ولكن معنى مدنية الدولة هو أن المسلم والنصراني واحد، ومن الممكن أن يترشح للرئاسة وأن يفعل أي شيء من بناء الكنائس إلخ، فما رأيكم بهذا القول؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأما ما يتعلق بالدولة المدنية: فقد سبق أن أجبنا عنه السائل الكريم في الفتوى رقم: 154193

وأما ما يتعلق ببقية السؤال ومسألة حق المواطنة: فإننا لا ننكر أن غير المسلمين الذين يقيمون في الدولة المسلمة لهم حقوق يجب بذلها لهم ويحرم منعها والتعدي عليها, وقد سبق لنا بيان أن حقوق غير المسلمين محفوظة لأهلها في الإسلام, فراجع الفتوى رقم: 151275

ولكن مع هذا يجب أن نقرر أن الإسلام هو دين العدالة, والعدل مقتضاه: التسوية بين المتساويات, والتفرقة بين المختلفات، فمن الظلم والجور أن نفرق في الأولى, كما أنه من ذلك أيضا أن نسوي في الثانية، ومن أمثلة ذلك: التفرقة بين الأغنياء والفقراء, وبين الذكور والإناث, وبين الكبار والصغار في الحقوق والواجبات، وهذا لا ينكره منصف، وكذلك حال الدولة المسلمة في معاملتها لرعاياها من غير المسلمين, فهي تسوي بينهم وبين المسلمين فيما ليس للدين فيه مدخل وليس له به علاقة وتخالف بينهم في أحكام خاصة بناء على تفريق الشريعة بينهم, فإن الشريعة عند المسلمين هي الدستور الواجب الامتثال، ومن ذلك مثلا: تحريم نكاح الكتابي للمسلمة, مع كون الكتابية يجوز للمسلم أن يتزوجها بناء على الأدلة الشرعية في الحالين, وليس لمجرد التشهي والهوى، أو الرأي المجرد, وإن كان ذلك معقول المعنى واضح الحكمة، ومن ذلك أيضا منع غير المسلمين من تولي السلطة العامة على المسلمين في الدولة الإسلامية, وقد سبق أن بينا شروط الإمامة العظمى, ومنها الإسلام, فلا تصح ولاية الكافر على المسلمين، وراجع الفتوى رقم: 8696. وراجع في حكم انتخاب غير المسلم الفتوى رقم: 114555

وراجع في حكم بناء الكنائس الفتوى رقم: 17391

وننقل هنا للفائدة ما قاله الشيخ العثيمين في التفريق بين العدل والمساواة، حيث يقول: يجب أن ننبه على أن من الناس من يستعمل بدل العدل: المساواة، وهذا خطأ, لا يقال: مساواة, لأن المساواة قد تقتضي التسوية بين شيئين الحكمة تقتضي التفريق بينهما، ومن أجل هذه الدعوة الجائرة إلى التسوية صاروا يقولون: أي فرق بين الذكر والأنثى، لكن إذا قلنا بالعدل ـ وهو إعطاء كل أحد ما يستحقه ـ زال هذا المحذور وصارت العبارة سليمة ولهذا لم يأت في القرآن أبدا أن الله يأمر بالتسوية، لكن جاء: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ {النحل :90} وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ {النساء:58} ـ وأخطأ على الإسلام من قال: إن دين الإسلام دين المساواة، بل دين الإسلام دين العدل, وهو الجمع بين المتساويين، والتفريق بين المفترقين إلا أن يريد بالمساواة: العدل فيكون أصاب في المعنى وأخطأ في اللفظ، ولهذا كان أكثر ما جاء في القرآن نفي المساواة: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ {الزمر:9} قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ {الرعد: 16} لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا {الحديد:10} لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ {النساء:95} ـ ولم يأت حرف واحد في القرآن يأمر بالمساواة أبدا, إنما يأمر بالعدل. اهـ.

وأخيرا ننبه على خطورة جعل الوطن بديلا عن الدين في الحكم على الناس, فلا يفرق بينهم إلا على أساس المواطنة وإن اختلف دينهم, فلا يجوز بحال التسوية المطلقة بين المسلم وغيره من كل وجه, وهذا من المعاني المناقضة للإسلام, وقد جاء في ضمن فتوى من فتاوى اللجنة الدائمة: وأما من لم يفرق بين اليهود والنصارى وسائر الكفرة وبين المسلمين إلا بالوطن وجعل أحكامهم واحدة فهو كافر.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني