الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحد الأدنى لصلة الرحم الذي لا يعد فاعله قاطعا

السؤال

لدي أقارب يسيؤن معاملتي وهم من النوع الحقود والحسود ويخشى الإنسان الضرر منهم، وأغلب مجالسهم غيبة ونميمة، قال الله تعالى: وقد نزَّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يُكفر بها ويُستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم ـ وقد نصحتهم ووصلتهم ولكن طردوني من المنزل الساعة الواحدة صباحا، والشارع مليء بالشباب، وكنت أنتظر أخي عند باب المنزل ولم يدخلني أحد، وبعد ما حصل ذلك واصلتهم أيضا وقالت إحداهن: والله العظيم لن أنسى من أساء إلي، لأنه حصل بيننا خصام وسأنتقم منه، فهل إذا وصلتهم في مرض أو عزاء أو مناسبه فقط أعتبر قاطعة للرحم أم لا؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد سبق أن بينا وجوب صلة الرحم والأدلة على ذلك مع أقوال أهل العلم في جملة من الفتاوى، وانظري الفتوى رقم: 11449.

كما بينا حرمة التقاطع بين الأرحام، وانظري الفتوى رقم: 33289وما أحيل عليه فيها.

ولكيفية التعامل مع الأرحام المسيئين انظري الفتوى رقم: 47693.

والذي ننصحك به ـ بعد تقوى الله تعالى ـ هو الصبر وإيصال ما استطعت من الخير إلى أرحامك من النصيحة لهم والهدية لهم وعيادة مريضهم وتعزية مصابهم، ولو كان ذلك عن طريق الهاتف، ومع ذلك تتجنبين مجالسهم التي فيها المخالفات الشرعية، فقد قال الله تعالى: وقد نزَّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يُكفر بها ويُستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم {النساء:}.

ولا تردي الإساءة بالإساءة، فقد قال الله تعالى: ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم {فصلت:34}.

وفي خصوص صلة الرحم: فلأهل العلم فيها تفصيل، جاء في سبل السلام للصنعاني: قال القاضي عياض: وصلة الأرحام درجات بعضها أفضل من بعض، وأدناها ترك المهاجرة وصلتها بالكلام ولو بالسلام ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة، فمنها واجب ومنها مستحب فلو وصل بعض الصلة ولم يصل غايتها لم يسم قاطعاً ولو قصر عما يقدر عليه وينبغي له لم يُسَمَّ واصلا، وقال القرطبي الرحم التي توصل عامة وخاصة فالعامة رحم الدين وتجب صلتها بالتوادد والتناصح والعدل والإنصاف والقيام بالحقوق الواجبة والمستحبة، والرحم الخاصة تزيد بالنفقة على القريب وتفقد حاله والتغافل عن زلته، وقال ابن أبي جمرة المعنى الجامع إيصال ما أمكن من الخير ودفع ما أمكن من الشر بحسب الطاقة وهذا في حق المؤمنين، وأما الكفار والفساق فتجب المقاطعة لهم إذا لم تنفع الموعظة.

وفي تحديد ما تحصل به الصلة ولا يكون فاعله قاطعا فإنه يرجع فيه إلى العرف، لأن الشرع لم يبين مقدار صلة الرحم، ولا جنسها، ولا كيفيتها، بل جعل مرجع ذلك إلى العرف، فما تعارف الناس على أنه صلة فهو صلة، وما تعارفوا عليه أنه قطيعة فهو قطيعة، وانظري الفتوى رقم: 7683.

ولذلك، فإذا كان الاقتصار على صلة رحمك في المناسبات وتهنئتم بما جد عليهم من نعم وبعيادة مريضهم وتعزية مصابهم يعتبر صلة في العرف عندكم، فإنك لا تعتبرين قاطعة للرحم، ونسأل الله تعالى أن يؤلف بين قلوبكم ويصلح ذات بينكم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني