الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الإقامة في الغرب وحكم العمل إذا اشتمل على بعض الشبهات

السؤال

أظنه أنه قد حدث أمر حينما أرسلت سؤالي رقم: 2337542, لأنه تمت الإجابة على سؤال آخر تماما، وعلى أية حال, ها هو سؤالي مرة أُخرى من فضلكم أجيبوا على السؤال كما هو مكتوب بنصه، السؤال: أنا شاب مسلم ولدت في دولة غربية وبفضل الله تعالى عرفت أكثر عن ديني في السنوات الماضية، أنا أعلم أنه يجب على المسلم أن يعيش في دولة مسلمة، ولكنني في الوقت الحالي غير قادر أن أعيش في دولة مسلمة بسبب ظروف قاسية خارجة عن إرادتي، ولكنني أنوي أن أهاجر حينما تتاح لي الفرصة ـ ادعوا لي ـ والمشكلة تكمُن في أنني أحاول أن أحصل على وظيفة، والمشكلة في ذلك أن الغالبية الكاسحة من الأعمال والوظائف في الغرب فيها شبه إن لم تكن حراما وسأعطيكم بعض النماذج:
1ـ شركة تبيع الخضروات يحتاجون شخصا ماهرا في استخدام الكمبيوتر ويساعد آخرين في الشركة في مشاكلهم واستخدامهم للكمبيوتر والشبهة في هذا أنه إذا أراد الشخص مني تركيب أو إصلاح المتصفح ويب, فهذا يحتمل ـ بل يغلب على الظن ـ أنه سوف يتصفح مواقع أو صفحات توجد فيها مخالفات شرعية مثل الموسيقى, صور نساء متبرجات وأشياء أخرى، وكذلك يمكن أن يطلب مني أن أصلح آلة الطابعة التي من الممكن أن تستخدم في مطبوعات تحتوي على مخالفات مثل الصور من ذوات الأرواح والنساء أو أشياء تحتوي على كفر
فأنا سأتحمل الوزر ولا أستطيع أن أمتنع عن مساعدتهم، وأيضًا, هذه الشركة ربما تبيع هذه الخضروات إلى مطاعم تخلط هذه الخضروات مع خنزير أو خمر أو أشياء أخرى محرمة, فهل عليَّ وزر أو إثم إذا عملت في هذه الشركة؟ وماذا أفعل؟.
2ـ التدريس نموذج آخر، فـعلى سبيل المثال إن أراد شخص أن يدرّس مادة دنيوية في أحد المدارس غير الإسلامية يصطدم بمخالفات كثيرة، فعلى سبيل المثال أن يسمح للطلاب أن يذهبوا إلى التجمعات التي تقوم بها المدرسة بمناسبة أعيادهم الشركية: مثل الكريسمس وعيد الفصح، وهذا لا خيار للمدرّس فيه، لأنه أمر من مدير المدرسة ويجب تنفيذه، بل إضافة لذلك أنه يمكن أنه يجب أحيانا أن تحضر هذه التجمعات لأنها في أثناء وقت الدراسة أيضاً, التفوه بـكلمات كفر أحيانا من قبل الطلاب وأنا لا أستطيع أن أفارقهم كل مرة, بل إنني لا أقدر أن أنكر عليهم إضافة لذلك أنه أحيانا يمكن أن يفرض عليَّ أن أكون مشرفا في الرحلات المدرسية، فماذا أفعل؟ أريد أن أنبه إلى أن المدارس الإسلامية عندنا ليس لديها دعم كبير ومن ثم يصعب جدا أن أحصل على وظيفة فيها.
3ـ حتى إذا تقدم المرء للعمل في شركة تبيع العسل, فـالأصل فيها الحل ولكن هنا يغلب على الظن أنه سوف يستخدم هذا العسل في أشياء محرمة مثل أن يوضع هذا العسل في البيرة ويوضع على الخنزير وأشياء أخرى لا يجوز أن نأكلها أو نشربها إلخ، كلما أبحث عن عمل أو وظيفة تأنيني هذه الشبهات أنني ربما أساعد أو أشارك في أشياء محرمة، وهذه الشكوك ليست هراء، لأن هؤلاء لا يراعون مسائل الحلال والحرام، فماذا أفعل؟ وأخيراً كما ذكرت آنفا كثير من الوظائف والأعمال هنا في الغرب التي تكون حلالا في الأصل تتحول إلى حرام أو مشبوهة، لأن الناس ليس لديهم حلال أو حرام ويسيئون استخدام كل شيء، لا أريد أن آكل رزقا حراما أو فيه شبهة، فما هو الضابط الذي يجب أن ألتزمه في الحصول على العمل الحلال في ضوء ما ذكرت آنفا من الشبه والمشاكل، أودّ لو تبصّروني في هذا الأمر جيدا، وأنا لا أتكلم عن أشياء وهمية في سؤالي، فحين كنت أعمل في شركة الهندسة البيئية في قسم الكمبيوتر, وكنت مستريحا، لأن العمل كان في أشياء الأصل فيها الحلّ ـ أي البيئة ـ ذات يوم جاء طلب من أحد المهندسين في مشروع حيث طلب منا أن ندرس من الناحية البيئية إذا كان موقع ما مناسبا لبناء ناد للقمار، والحمد لله تركت العمل هناك، والشاهد هو أن العمل يبدأ بدون أشياء محرمة ثم بعد حين تأتي لاحقا، ومن المهم أن تلاحظوا أني لا أستطيع كلما أجد مخالفة أن أترك العمل، لأن هذا سيؤثر على سجلي الوظيفي ومن ثم سيصعب علي أن أحصل على وظيفة بعد ذلك، أتمنا من فضيلتكم الرد السريع، لأنني في حيرة من أمري، اعذروني على طول السؤال ولكن أريد الرزق الحلال الذي ليس فيه شبهة أو حرام.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا شك أن سعيك للهجرة إلى بلاد المسلمين مما يُشكر لك، وأما عن إقامتك الحالية في الغرب فقد بينا شروط جوازها في الفتوى رقم: 144781.

وخلاصتها أن يكون عند المرء من العلم والإيمان وقوة العزيمة ما يثبته على دينه، وأن تكون الأنظمة الحاكمة والأعراف السائدة عندكم لا تحول بينك وبين إقامة شعائر دينك، فإن كان الحال كذلك فالأمر في البقاء هناك لا بأس به، وإلا وجبت الهجرة متى تيسرت سبلها، وأما بالنسبة لأنواع العمل التي ذكرتها في سؤالك، فلا شك أنها تتفاوت من حيث الشبهة، ومنها بحمد لله ما يظهر جوازه، كالعمل في بيع العسل, ولا يضر أن الناس في هذه الديار قد يضيفون العسل إلى المحرمات كالخمر والخنزير فالذي يعنيك أنت هو حل بيع العسل، وأن الأصل في استعماله هو الأمور المباحة، وكذلك العمل في إصلاح الطابعات في شركة تبيع الخضروات، لا حرج فيه، لأن الأصل والغالب أن هذه الآلات إنما تستخدم في مصلحة العمل، وهو مجال مباح، ولا يضر وجود احتمال لإساءة بعض موظفي الشركة لاستعمال الطابعات في أمور محرمة شرعا، ثم إننا ننبهك على أن من محاسن الشريعة أنها تراعي حال الضرورة وتوسع الأمر إذا ضاق، فلو افترضنا أن أحداً من المسلمين لا يجد إلا مثل الأعمال المذكورة في السؤال ليسد به فاقته وفاقة من يعول ويحقق الحد الأدنى من الكفاف، فمثل هذا لا يؤمر بترك هذا العمل الذي يعتبر بالنسبة له ضرورة، بل يؤمر بما دل عليه قوله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ {الأنعام:119}.

وقوله سبحانه: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {التغابن:16}.

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم. رواه البخاري ومسلم.

وراجع في ذلك الفتوى رقم: 144095.

وقد سبق لنا بيان مراتب الشبهات وحكمها في الفتوى رقم: 47544.

وشرح حديث: من اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ـ في الفتوى رقم: 132932.

ثم ننبه أخيرا على أن الارتزاق من الشبهات أولى من سؤال الناس، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 109592.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني