الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وصف المبتلى لحالته هل يدخل في باب الشكوى

السؤال

يقال في تعريف الصبر: إنه حبس اللسان عن الشكوى، ولكنّي شخصيًا عندما تصيبني مصيبة - كمرض أو نحوه - وأُسأل عن حالي أجدني أصف حالي, أو الألم الذي أصابني من باب بيان الحال, وأنا في قلبي راضٍ بقضاء الله، فهل كلامي للنّاس يُعدّ شكوى ينافي الصّبر؟
بارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فما ذكرته من تعريف الصبر جاء عند ابن القيم في عدة الصابرين قال: لما كان الصبر حبس اللسان عن الشكوى إلى غير الله, والقلب عن التسخط, والجوارح عن اللطم, وشق الثياب, ونحوها, كان ما يضاده واقعًا على هذه الجملة, فمنه الشكوى إلى المخلوق, فإذا شكى العبد ربه إلى مخلوق مثله فقد شكى من يرحمه إلى من لا يرحمه, ولا تضاده الشكوى إلى الله كما تقدم في شكاية يعقوب إلى الله, مع قوله: فصبر جميل, وأما إخبار المخلوق بالحال: فإن كان للاستعانة بإرشاده’ أو معاونته’ والتوصل إلى زوال ضرورة لم يقدح ذلك في الصبر, كإخبار المريض للطبيب بشكايته, وإخبار المظلوم لمن ينتصر به بحاله, وإخبار المبتلى ببلائه لمن كان يرجو أن يكون فرجه على يديه, وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل على المريض يسأله عن حاله, ويقول: كيف تجدك؟ وهذا استخبار منه واستعلام بحاله "اهـ

وجاء في تسلية أهل المصائب: وأما إخبار المخلوق بحاله لا على وجه الشكوى فإن كان للاستعانة بأن يرشده أو يعاونه أو يوصله الى زوال ضره بما ينفعه مما هو أخبر منه به كالحجام يحجمه, ويقلع ضرسه, أو رجل صالح يدعو له, فهذه الأمور على هذا الوجه لم تقدح في صبره؛ لأن هذا كإخبار المريض الطبيب بحاله, وإخبار المبتلى في جسده ببلائه لمن يرجو أن يكون فرجه على يديه, وكذلك كإخبار المظلوم لمن ينتصر به, وإخبار المبتلى في دينه لمن هو مسترشد الهداية ليبين له طرق الهداية إن وفق لها, وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل على المريض سأله عن حاله, ويقول: كيف تجدك؟ وهو استخبار منه واستعلام بحاله "

وقال القرطبي: وإنما كلف العبد أن لا يقع منه في حال المصيبة ما له سبيل إلى تركه، كالمبالغة في التأوه والجزع الزائد؛ لأن من فعل ذلك خرج عن معاني أهل الصبر، وأما مجرد التشكي فليس مذمومًا حتى يحصل التسخط للمقدور، وقد اتفقوا على كراهة شكوى العبد ربه، وشكواه إنما هو ذكره للناس على سبيل التضجر. "اهـ
فمن هذه النقول يتبين أن كلامك على الوجه الذي ذكرت لا يعد من باب التشكي على الله الذي ينافي الصبر, وانظر فتوانا رقم: 142661, وإن كان الأولى لمن لا يجد من يعينه على حاله ألا يذكره له, وإنما يكل أمره إلى الله, {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [يوسف: 86].

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني