الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذاهب العلماء فيمن عين مالا صدقة لوجه الله ثم أراد الرجوع فيها

السؤال

لدي مبلغ صغير وهبته لله, وعلمت أن عليّ كفارة تأخير قضاء الصيام, فهل أدفع الكفارة من ذلك المال؟ أم أن زوجي يدفعها عني؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالظاهر أن مراد السائلة أنها أخرجت هذا المبلغ وعيَّنته صدقة لوجه الله، ولكنه ما زال في يدها, فإن كان كذلك فقد اختلف أهل العلم في لزوم الصدقة إذا لم يتم إقباضها وحيازة الفقير لها، قال أبو الوليد بن رشد في المقدمات الممهدات: في المسألة أربعة أقوال، أحدها: أنها تلزم بالقول, وتتم به, ولا تفتقر إلى حيازة، كالبيع سواء, والثاني: قول مالك ومن تابعه أنها تنعقد بالقول, وتلزم به, ولا تتم إلا بالحيازة, والثالث: أنها تنعقد بالقول, ولا تجب به، وإنما تجب بالقبض والحيازة، وهو مذهب أهل العراق, والرابع: التفرقة بين الهبة والصدقة على ما حكيناه. اهـ.

وقال ابن رجب في القواعد: أما الهبة التي تملك بالعقد بمجرده فيجوز التصرف فيها قبل القبض, وأما الصدقة الواجبة والتطوع فالمذهب المنصوص أنها لا تملك بدون القبض. اهـ.

وقال أيضًا: الصدقات إذا عينها المالك من ماله وأفردها فلا يصير بذلك صدقة, ولا يخرج عن ملكه بدون قبض المستحق أو قبوله، وقد نص أحمد على أنها إذا تلفت بعد تعينها لم تبرأ ذمته من الزكاة، وأما إن كانت صدقة تطوع فاستحب إمضاءها وكره الرجوع فيها, ونقل عنه ما يدل على خروجها عن ملكه بمجرد التعيين, ونقل عبد الله عنه أنه قال: كل شيء جعله الرجل لله يمضيه ولا يرجع في ماله, وذلك أنه قد خرج من ملكه فليس هو له من صدقة, أو معروف, أو صلة رحم, وإن كان قليلًا أمضاه. اهـ.

وجاء في كشاف القناع: (ومن أخرج شيئًا يتصدق به أو وكل في ذلك) أي: الصدقة به (ثم بدا له) أن لا يتصدق به (استحب أن يمضيه) ولا يجب; لأنه لا يملكها المتصدق عليه إلا بقبضها. اهـ.

وقال السرخسي في المبسوط: الصدقة بمنزلة الهبة في المشاع وغير المشاع, وحاجتها إلى القبض. اهـ.

وجاء في تبيين الحقائق: (والصدقة كالهبة لا تصح إلا بالقبض, ولا في مشاع يحتمل القسمة)؛ لأنه تبرع كالهبة, ويلزم فيها ما يلزم في الهبة, فامتنعت بدون القبض كالهبة. اهـ.

وقال ابن أبي زيد في الرسالة: لا تتم هبة ولا صدقة ولا حبس إلا بالحيازة اهـ. قال العدوي في حاشيته على شرح الرسالة: هذه المذكورات تصح, وتلزم بمجرد القول أو الفعل الدال عليها, ويقضى على الفاعل بدفعها على المذهب, وليس له رجوع فيها, وحيازتها كالرهن في معاينة البينة على القبض, ولا يكفي الإشهاد. اهـ.

وأما إذا قبضها الفقير فلا يجوز الرجوع فيها اتفاقًا، قال ابن حجر في فتح الباري: لا فرق في الحكم بين الهدية والهبة، وأما الصدقة: فاتفقوا على أنه لا يجوز الرجوع فيها بعد القبض. اهـ.

قال ابن بطال شرح صحيح البخاري: لا خلاف بين العلماء أن العمرى إذا قبضها المعمر لا يجوز الرجوع فيها، وكذلك الصدقة لا يجوز لأحد أن يرجع فى صدقته؛ لأنه أخرجها لله تعالى. اهـ.

وقد بان بهذا أن أكثر اهل العلم على أن الصدقة لا تلزم إلا بالقبض، فيجوز الرجوع فيها قبل ذلك، لكن يستحب المضي فيها.

وعلى هذا القول يجوز للسائلة أن تخرج الكفارة التي وجبت عليها من هذا المبلغ, ولا حرج في أن يخرج الزوج عن زوجته الكفارة بإذنها, وانظري الفتويين: 105269، 78528.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني