الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

صلاة وطهارة واستنجاء المريض الكبير العاجز

السؤال

أبي عمره 76 عامًا, وهو رجل أمي, لا يقرأ ولا يكتب, وعنده صعوبة في التنفس, فالرئة متعبة, ولا يستطيع أن يمشي عشرة أمتار إلا بصعوبة بالغة, وهو جليس الغرفة, يمشي إلى الحمام في بعض الأحيان, وفي الأغلب لا يمشي, وإنما يبول في كوب دون أن يستنجي, وأحيانا يستنجي بمنديل, ويصيب البولُ سروالَه, وأصبح لا يصلي, لكن أخي حذره من تركها, وقال له: صلِّ وأنت جالس, فأصبح يصلي في بعض الأحيان إذا صلى معه أحد, فهو لا يعرف الصلاة وهو جالس, أو لا يصلي إلا إذا جاء أحد أبنائه وصلى به - وهو أنا - فهل الصلاة صحيحة؟ فهو يتيمم بحجر, ولا يتوضأ, ونادرًا ما يتوضأ, وماذا عن البول عندما يبول في الكوب, ولا يستنجي إلا بمنديل, ويصيب البول ملابسه؟ أرجو الإجابة عن السؤال
جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه, أما بعد:

فإن كنت تعني بقولك عن والدك: (إنه لا يعرف الصلاة) أنه فقد عقله: فإنه في هذه الحال قد زال عنه التكليف, ولا يطالب بشيء من العبادات؛ لأن العقل مناط التكليف, وقد قال النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ, وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ, وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ. رواه أبو داود.

وأما إن كان عاقلًا: فإنه يطالب بالصلاة, ولا تسقط عنه بحال ما دام عاقلًا, ويطالب بقضاء الصلوات التي تركها, كما يطالب أيضًا بكل شروط وواجبات الصلاة التي يستطيع فعلها, ويسقط عنه ما لا يستطيعه؛ لقول الله تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا. {سورة البقرة: 286}, فإن كان يقدر على استعمال الماء للوضوء - ولو بمعاونة أحدكم له – وجب عليه الوضوء, ولم تصح صلاته بالتيمم, قال ابن قدامة في المغني: فَأَمَّا الْمَرِيضُ أَوْ الْجَرِيحُ الَّذِي لَا يَخَافُ الضَّرَرَ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، مِثْلُ مَنْ بِهِ الصُّدَاعُ وَالْحُمَّى الْحَارَّةُ، أَوْ أَمْكَنَهُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ الْحَارِّ، وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهِ، لَزِمَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ إبَاحَةَ التَّيَمُّمِ لِنَفْيِ الضَّرَرِ، وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ هَاهُنَا, وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ، وَدَاوُد إبَاحَةُ التَّيَمُّمِ لِلْمَرِيضِ مُطْلَقًا؛ لِظَاهِرِ الْآيَةِ, وَلَنَا أَنَّهُ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ، لَا يَسْتَضِرُّ بِاسْتِعْمَالِهِ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ التَّيَمُّمُ، كَالصَّحِيحِ، وَالْآيَةُ اُشْتُرِطَ فِيهَا عَدَمُ الْمَاءِ، فَلَمْ يَتَنَاوَلْ مَحَلَّ النِّزَاعِ، عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ إضْمَارِ الضَّرُورَةِ، وَالضَّرُورَةُ إنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ الضَّرَر. اهــ
وإن شق عليه استعمال الماء - ولو في مكانه - مشقة غير محتملة لصعوبة الحركة, أو لم يجد من يناوله الماء فإنه يعدل إلى التيمم, وقد اختلف في صحة التيمم على الحجر الذي ليس عليه غبار، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 125246.

وأما الاستنجاء: فإن كان يقدر على الاستنجاء وتوقي النجاسة أن تصيب ثيابه وجب عليه ذلك؛ لأن الاستنجاء واجب, وتوقي النجاسة واجب, ولا تصح الصلاة في ثياب متنجسة مع القدرة على تطهيرها أو تغييرها, وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: اِسْتَنْزِهُوا مِنْ اَلْبَوْلِ, فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ اَلْقَبْرِ مِنْهُ. رَوَاهُ اَلدَّارَقُطْنِيّ, وصححه الألباني, وَلِلْحَاكِمِ: أَكْثَرُ عَذَابِ اَلْقَبْرِ مِنْ اَلْبَوْلِ. وصححه الحافظ في بلوغ المرام..

فالواجب الحذر من التساهل في أمر البول عند القدرة, ولا يكفي الاستنجاء بالمنديل إن انتشر البول, وتجاوز محل الخارج, بل لا بد من غسله بالماء.

وأما إن عجز عن الاستنجاء أو شق عليه مشقة غير محتملة فإنه يسقط عنه, ويطالب بتبديل ملابسه المتنجسة عند الصلاة, فإن عجز صلى فيها, ولا يطالب بما لا يستطيع, ونسأل الله له الشفاء العاجل, وأن يختم لنا وله بالإيمان.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني