الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يتعارض هبة العمل الصالح للميت مع الآية: وأن ليس للإنسان إلا ما سعى

السؤال

قال الله تعالى: "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى" ما تفسير ذلك؟ وما علاقته بما تمكن هبته للمتوفى من قرآن وصيام – نوافل - وعمرة وحج وصدقة وغيرها؟ وهل يجوز هبة ثواب صلوات النوافل؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد أجمع العلماء على أن الدعاء والصدقة ينتفع الميت بهما, ويصله ثوابهما؛ لحديث: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ـ ومنها: وولد صالح يدعو له.

واختلفوا ـ رحمهم الله تعالى ـ فيما عدا ذلك من الأعمال الصالحة - كالذكر, والقرآن, والصلاة - هل تنفعه ويصله ثوابها أم لا؟ فمن قائل: لا يصله منها شيء، ومن قائل: تصله جميعًا، ومن يفرق بين الأعمال, فيقول: يصله بعضها, ولا يصله البعض الآخر، قال في كشاف القناع: وكل قربة فعلها المسلم وجعل ثوابها أو بعضها - كالنصف, ونحوه, كالثلث, أو الربع - لمسلم حي أو ميت جاز ذلك, ونفعه لحصول الثواب له. انتهى.

وقال الزيلعي في تبيين الحقائق تحت باب الحج عن الغير: الأصل في هذا الباب أن الإنسان له أن يجعل ثواب عمله لغيره عند أهل السنة والجماعة صلاة كان أو صومًا أو حجًا أو قراءة قرآن أو أذكارًا إلى غير ذلك من جميع أنواع البر، ويصل ذلك إلى الميت وينفعه. وانظر الفتويين رقم: 121425 -158461.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالصدقة على الميت، وأمر أن يصام عنه الصوم، فالصدقة عن الموتى من الأعمال الصالحة، وكذلك ما جاءت به السنة في الصوم عنهم، وبهذا وغيره احتج من قال من العلماء: إنه يجوز إهداء ثواب العبادات المالية والبدنية إلى موتى المسلمين، كما هو مذهب أحمد, وأبي حنيفة، وطائفة من أصحاب مالك, والشافعي، فإذا أهدي لميت ثواب صيام أو صلاة أو قراءة جاز ذلك.

وأما الجواب عن قوله تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى {النجم:39}، فقد قال العيني - رحمه الله تعالى -: فإن قلت قال الله تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى {النجم: 39 } وهو يدل على عدم وصول ثواب القرآن للميت؟ قلت: اختلف العلماء في هذه الآية على ثمانية أقوال: أحدها: أنها منسوخة بقوله تعالى: وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ {الطور: 21 } أدخل الآباء الجنة بصلاح الأبناء, قاله ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ ومنها: أن ليس للإنسان إلا ما سعى من طريق العدل, فأما من باب الفضل فجائز أن يزيد الله تعالى ما شاء، قاله الحسين بن فضل، ومنها: أنه ليس له إلا سعيه غير أن الأسباب مختلفة, فتارة يكون سعيه في تحصيل الشيء بنفسه، وتارة يكون سعيه في تحصيل سببه, مثل سعيه في تحصيل قراءة ولد يترحم عليه, وصديق يستغفر له، وتارة يسعى في خدمة الدين والعبادة فيكتسب محبة أهل الدين فيكون ذلك سببًا حصل بسعيه، حكاه أبو الفرج عن شيخه ابن الزغواني، وغير ذلك من الأقوال في تلك الآية. انتهى من عمدة القاري بتصرف يسير.

وعليه, فلا تعارض بين وصول ثواب الأعمال الصالحة المهداة للميت وبين معنى الآية.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني