الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خطورة الإقامة في بلاد الكفر على دين المرء ودنياه

السؤال

أنا شاب في الثلاثين من عمري، أتيت لبريطانيا لدراسة الدكتوراه في 2009, وأنا الآن في السنة الأخيرة من الدراسة، وقد كنت أصلي, لكني لم أكن أصلي كل الصلوات في وقتها، فأجمع بعض الصلوات, وأتناسى غيرها, وكنت أصوم, لكني لم أكن ملتزمًا, وكنت مؤدبًا وحييًا, وكنت نشيطًا مليئًا بالحيوية, وبقيت على هذه الحال سنتين, ثم أصبحت لا أصلي, و لا أصوم, ومن ثم مارست الكبائر وجاهرت بها مدة ستة أشهر - كأنني كنت في غيبوبة, وأفقت مما أنا فيه - وأنا لم أفعل هذه الأشياء من قبل في حياتي.
أهلكتني ذنوبي, وأشعر بالضياع العميق, وعدم الرغبة بفعل أي شيء، وصرت كسولًا جدًّا، وبعد تركي للكبائر ما زال حالي كما هو, فلا صلاة ولا صوم, وسعيت للزواج من مسلمة عربية في بريطانيا عن طريق أخ مسلم في المركز الإسلامي الموجود بالقرب من مدينتي, وقلت: لعلها تكون بداية جديدة لي, فأنا – واللهِ - ما سعيت للزواج إلا لأحصن فرجي, وأرضي ربي عني, فأنا أشعر بالوحدة الشديدة, فلا صديق, ولا زوجة تؤنس وحدتي, والفتن في هذا البلد كثيرة, وأردت العفاف فاتصلت بوالدي وأخبرته بأمر الزواج, فرفض وغضب مني, وقال: نزوجك عندما تنهي دراستك، فأنا متعب جدًّا, فقد قرأت حديثًا للنبي صلى الله عليه وسلم فيه أن من يجاهر بالمعاصي لا يغفر له، فأصابني الأرق, ولم أعد أنام بعد قراءة هذا الحديث, وأخاف أن ألقى ربي وهو غضبان عليّ, فهل لي من توبة؟ وماذا أفعل؟ فأنا أريد أن أتوب وألتزم لكن نفسي أهلكتني، فأنقذوني - يرحمكم الله -.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد حذرنا كثيرًا من الإقامة في بلاد الكفر حيث لا تؤمن الفتنة، ولعل ما ذكرت هو من شؤم إقامتك في هذه البلاد, مع عدم مراعاة الضوابط الشرعية، وانظر الفتوى رقم: 149695.

وعلى كل حال, فاعلم - أيها الأخ - أنه مهما عظم ذنبك, وكبر جرمك, فإن باب التوبة مفتوح لا يغلق في وجه أحد حتى تطلع الشمس من مغربها، وقد وعد الله التائبين بقبول توبتهم, والعفو عنهم, فقال سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له.

واعلم - أيها الأخ - أن تركك للصلاة والصيام أعظم من كل كبيرة ارتكبتها - خلا الشرك بالله تعالى - وانظر الفتوى رقم: 130853, ورقم: 111650.

فعليك أن تبادر بتوبة نصوح, نادمًا على ما فرط منك من عظيم الجناية، وأول ذلك أن تحافظ على الصلوات الواجبة، واحرص ما أمكنك أن تؤديها مع إخوانك المسلمين في جماعة، وإذا أتى رمضان فإياك إياك أن تفرط في الصوم الواجب.

وإن كان عليك أيام من رمضان أفطرتها فيما قبل فبادر بقضائها.

وعليك أن تكثر من الفكرة في الموت وما بعده من الأهوال العظام؛ فإن هذا مما يحملك على التوبة ويعينك عليها، واجتهد في البحث عن صحبة صالحة من المسلمين تجتمع بهم, وتأنس إليهم, ويذكر بعضكم بعضًا بالله تعالى، وأقلع عن كل ذنب ارتكبته, مجتهدًا في الدعاء والاستغفار, مستعينًا بالله - جل اسمه - على التثبيت على الهداية, فإن الهدى هدى الله.

ولا يلزمك طاعة أبيك في ترك الزواج، بل إن الزواج في حقك واجب إن كنت تخشى العنت, أي الوقوع في الفاحشة - والعياذ بالله - فإن منعك أبوك فبين له حكم الشرع, وأن الزواج في حقك واجب, وأنك قادر عليه, وأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله تعالى - نسأل الله أن يمن عليك بالتوبة النصوح -.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني