الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الممدوحون والمذمومون حال نزول الضرِّ

السؤال

السلام عليكم عندما تعترضني بعض المشاكل أجدُّ في العبادة واجتهد أكثر من السابق وأدعو الله مخلصاً بصدق طمعا في الاستجابة وحبا لرب العالمين فهل هذا فيه شيء من النفاق؟ لأني أخشى ذلك.أعينوني أعانكم الله وسدد خطاكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإن اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى، والتضرع إليه عند نزول البأس أو وقوع الضر لا يعد نفاقاً، بل يذم ترك ذلك، لأنه من الخير الذي جاء الشرع يحث الإنسان عليه، بل جعل الله المصائب والبلايا امتحاناً لعباده، وسبباً لإنابتهم وتضرعهم إليه، فقال سبحانه: (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الأعراف:168].
قال ابن تيمية أي: امتحناهم واختبرناهم بالسراء والضراء.
وقال سبحانه: (فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) [الأنعام:42]. وقال سبحانه: (فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا) [الأنعام:43].
قال ابن تيمية أي: هلا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا فحقهم عند مجيء البأس التضرع.
وعاب الله على الذين لا يرجعون ولا يتضرعون إليه سبحانه عند نزول العذاب، فقال عز وجل: (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ) [المؤمنون:76].
لكن المذموم هو من يتضرع إلى ربه في حال الشدة والضر، فإذا كشف عنه ذلك تنكر لنعم الله، قال تعالى -في هذا وأمثاله- : (وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [يونس:12].
وقال سبحانه: (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوساً) [الإسراء:83].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والإنسان إنما يجأر إذا أصابه الضر، وأما في حال النعمة فهو ساكن إما شاكراً وإما كفوراً (ثُمَّ إِذَا مَسَكم الضُّرَّ فإليَه تجأرون). (ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ). ...إلى أن قال: فذم الله سبحانه حزبين: حزباً لا يدعونه في الضراء ولا يتوبون إليه، وحزباً يدعونه ويتضرعون إليه ويتوبون إليه، فإذا كشف الضر عنهم أعرضوا عنه وأشركوا به ما اتخذوهم من الأنداد من دونه... إلى أن قال: والممدوح هو القسم الثالث وهم: الذين يدعونه ويتوبون إليه، ويثبتون على عبادته، والتوبة إليه في حال السراء، فيعبدونه ويطيعونه في السراء والضراء، وهم أهل الصبر والشكر. انتهى.
فعلى المؤمن أن يلجأ إلى ربه، ويتضرع إليه في كل حاجة، وفي كل أمر من أموره، فالله وحده هو الذي يكفي عبده في إزالة الشر وفي إنالة الخير، قال سبحانه: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) [الزمر:36].
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني