الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الرؤية الشرعية للهداية والإضلال

السؤال

قال تعالى: يُضلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ـ فهل الله عز وجل يهدي ويضل الشخص لأسباب معيّنة به؟ وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الله سبحانه يفعل ما يشاء ويختار، ومن أضله من عباده فبعدله، ومن هداه منهم فبفضله، إلا أن الله جل وعلا بحكمته ورحمته يضل من يستحق الإضلال، ويهدي إليه من علم أنه أهل لهدايته، قال ابن كثير في تفسيره: أخبر تعالى أنه لا يظلم أحدا شيئا، وإن كان قد هدى به من هدى من الغي وبصر به من العمى، وفتح به أعينا عميا، وآذانا صما وقلوبا غلفا وأضل به عن الإيمان آخرين، فهو الحاكم المتصرف في ملكه بما يشاء، الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، لعلمه وحكمته وعدله، ولهذا قال تعالى: إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون {يونس:44} وفي الحديث عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما يرويه عنه ربه عز وجل: يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ـ إلى أن قال في آخره: يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ـ رواه مسلم بطوله. اهـ.

وقال ابن القيم رحمه الله: فإن سبب الذنب الظلم والجهل، وهما من نفس العبد، كما أن سبب الخير الحمد والعلم والحكمة والغنى، وهي أمور ذاتية للرب، وذات الرب سبحانه مستلزمة للحكمة والخير والجود، وذات العبد مستلزمة للجهل والظلم، وما فيه من العلم والعدل فإنما حصل له بفضل الله عليه، وهو أمر خارج عن نفسه، فمن أراد الله به خيرا أعطاه هذا الفضل فصدر منه الإحسان والبر والطاعة، ومن أراد به شرا أمسكه عنه وخلاه ودواعي نفسه وطبعه وموجبها فصدر منه موجب الجهل والظلم من كل شر وقبيح، وليس منعه لذلك ظلما منه سبحانه، فإنه فضله، وليس من منع فضله ظالما، لا سيما إذا منعه عن محل لا يستحقه ولا يليق به، وأيضا فإن هذا الفضل هو توفيقه وإرادته من نفسه أن يلطف بعبده ويوفقه ويعينه ولا يخلي بينه وبين نفسه، وهذا محض فعله وفضله، وهو سبحانه أعلم بالمحل الذي يصلح لهذا الفضل ويليق به ويثمر به ويزكو به، وقد أشار الله تعالى إلى هذا المعنى بقوله: وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين {الأنعام:53} فأخبر سبحانه أنه أعلم بمن يعرف قدر هذه النعمة ويشكره عليها.... والمقصود أن الله سبحانه أعلم بمواقع فضله ورحمته وتوفيقه، ومن يصلح لها ومن لا يصلح، وأن حكمته تأبى أن يضع ذلك عند غير أهله، كما تأبى أن يمنعه من يصلح له، وهو سبحانه الذي جعل المحل صالحا وجعله أهلا وقابلا، فمنه الإعداد والإمداد، ومنه السبب والمسبب، ومن اعترض بقوله: فهلا جعل المحال كلها كذلك وجعل القلوب على قلب واحد؟ فهو من أجهل الناس وأضلهم وأسفههم، وهو بمنزلة من يقول لم خلق الأضداد، وهلا جعلها كلها سببا واحدا، فلم خلق الليل والنهار، والفوق والتحت، والحر والبرد، والدواء والداء، والشياطين والملائكة، والروائح الطيبة والكريهة والحلو والمر، والحسن والقبيح؟ وهل يسمح خاطر من له أدنى مسكة من عقل بمثل هذا السؤال الدال على حمق سائله وفساد عقله؟... إلخ كلامه ـ رحمه الله ـ في رد هذه الشبهة بما يضيق المقام عن ذكره هنا.

ويمكنك الرجوع إلى ذلك في كتابه طريق الهجرتين، ففيه ما يشفي العليل ويروي الغليل، وانظر لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 137997.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني