الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أقوال الشيخ ابن باز في تكفير المعين

السؤال

هل العلامة ابن باز كان على تكفير المعين، بحيث إنه لا يرى العذر بالجهل لمن أخطأ في التوحيد, على سبيل المثال, أنا من روسيا, الدولة النصرانية, وكذلك جمهورية داغستان, المقيمون فيها لا يعلمون شيئا من التوحيد إلا غيضا من فيض, برغم أنهم ينتمون إلى الإسلام, ومنهم الصوفية, وحزب التحرير, وأمثالهما.
هل الشيخ ابن باز على أننا نكفرهم بإطلاق, ونكفرهم بمجرد وقوعهم في الاستغاثة بالأنبياء دون أن نقيم عليهم الحجة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالشيخ ابن باز ـ رحمه الله ـ لا يعذر بالجهل في أصول الدين، وصرف العبادة لغير الله تعالى، ولكنه يستثني من ذلك من كان في بلاد غير إسلامية، ولم تبلغه الدعوة.

فقد جاء في (فتاوى اللجنة الدائمة) برئاسة الشيخ ابن باز: لا يعذر المكلف بعبادته غير الله، أو تقربه بالذبائح لغير الله، أو نذره لغير الله ونحو ذلك من العبادات التي هي من اختصاص الله، إلا إذا كان في بلاد غير إسلامية ولم تبلغه الدعوة؛ فيعذر لعدم البلاغ لا لمجرد الجهل؛ لما رواه مسلم عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة: يهودي، ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار» فلم يعذر النبي صلى الله عليه وسلم من سمع به، ومن يعيش في بلاد إسلامية قد سمع بالرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يعذر في أصول الإيمان بجهله. اهـ.
وسئل الشيخ ابن باز: ما رأي سماحتكم في مسألة العذر بالجهل وخاصة في أمر العقيدة، وضحوا لنا هذا الأمر جزاكم الله خيرا؟

فأجاب: العقيدة أهم الأمور وهي أعظم واجب، وحقيقتها: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، والإيمان بأنه سبحانه هو المستحق للعبادة، والشهادة له بذلك، وهي شهادة أن لا إله إلا الله ... فالجهل بهذا لا يكون عذرا، بل يجب عليه أن يتعلم هذا الأمر وأن يتبصر فيه، ولا يعذر بقوله: إني جاهل بمثل هذه الأمور. وهو بين المسلمين وقد بلغه كتاب الله، وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام. وهذا يسمى معرضا، ويسمى غافلا، ومتجاهلا لهذا الأمر العظيم، فلا يعذر، كما قال الله سبحانه: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}. وقال سبحانه: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}. وقال تعالى في أمثالهم: {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ }. إلى أمثال هذه الآيات العظيمة التي لم يعذر فيها سبحانه الظالمين بجهلهم، وإعراضهم وغفلتهم. أما من كان بعيدا عن المسلمين في أطراف البلاد التي ليس فيها مسلمون، ولم يبلغه القرآن والسنة - فهذا معذور، وحكمه حكم أهل الفترة إذا مات على هذه الحالة، الذين يمتحنون يوم القيامة. فمن أجاب وأطاع الأمر دخل الجنة، ومن عصا دخل النار. أما المسائل التي قد تخفى في بعض الأحيان على بعض الناس كبعض أحكام الصلاة، أو بعض أحكام الزكاة، أو بعض أحكام الحج، هذه قد يعذر فيها بالجهل ... اهـ.
وسئل أيضا عن رجل مات وهو لا يستغيث بالأموات، ولا يفعل مثل هذه الأمور المنهي عنها، إلا أنه فعل ذلك مرة واحدة فيما أعلم، حيث استغاث بالرسول صلى الله عليه وسلم وهو لا يعلم أن ذلك حرام وشرك، ثم حج بعد ذلك دون أن ينبهه أحد على ذلك، ودون أن يعرف الحكم فيما أظن حتى توفاه الله، وكان هذا الرجل يصلي ويستغفر الله، لكنه لا يعرف أن تلك المرة التي فعلها حرام، فيا ترى هل من فعل ذلك ولو مرة واحدة، وإذا مات وهو يجهل مثل ذلك، هل يعتبر مشركا؟

فأجاب: إن كان من ذكرته تاب إلى الله بعد المرة التي ذكرت، ورجع إليه سبحانه واستغفر من ذلك، زال حكم ذلك وثبت إسلامه. أما إذا كان استمر على العقيدة التي هي الاستغاثة بغير الله ولم يتب إلى الله من ذلك، فإنه يبقى على شركه، ولو صلى وصام حتى يتوب إلى الله مما هو فيه من الشرك ... اهـ.
وبهذا يتضح جواب ما سألت عنه عند الشيخ ابن باز رحمه الله. ولكن عدم العذر، والحكم بالكفر دون إقامة حجة خاصة بعد بلوغ القرآن، لا يعني عند الشيخ ابن باز ولا غيره عدم الدعوة والتعليم، بل حتى مع الحكم بالكفر يُعلَّم الجاهل، ويُنبَّه الغافل.

وقد سئل الشيخ ابن باز في شرحه لكشف الشبهات عدة أسئلة عن مسألة العذر بالجهل، وهذا طرف منها:
س: هل يجب على العامي أن يكفر من قام كفره، أو قام فيه الكفر ؟
ج: إذا ثبت عليه ما يوجب الكفر كفره، ما المانع ؟! إذا ثبت عنده ما يوجب الكفر كفره، مثل ما نكفر أبا جهل، وأبا طالب، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والدليل على كفرهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قاتلهم يوم بدر.

س: يا شيخ العامي يمنع من التكفير؟

ج: العامي لا يكفِّر إلا بالدليل، العامي ما عنده علم، هذا المشكل، لكن الذي عنده علم بشيء معين مثل من جحد تحريم الزنا، هذا يكفر عند العامة والخاصة، هذا ما فيه شبهة، ولو قال واحد: إن الزنا حلال، كفر عند الجميع. هذا ما يحتاج أدلة، أو قال: إن الشرك جائز يجيز للناس أن يعبدوا غير الله. هل أحد يشك في هذا؟! هذا ما يحتاج أدلة، لو قال: إن الشرك جائز يجوز للناس أن يعبدوا الأصنام، والنجوم، والجن كفر. التوقف يكون في الأشياء المشكلة التي قد تخفى على العامي.
س : ما يعرف أن الذبح عبادة، والنذر عبادة !

ج : يعلَّم، الذي لا يعرف يعلَّم، والجاهل يعلَّم.

س: هل يحكم عليه بالشرك ؟

ج: يحكم عليه بالشرك، ويعلَّم أما سمعت الله يقول: {أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا}. قال جل وعلا: {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون}. ما وراء هذا تنديدا لهم، نسأل الله العافية ...

س: بعض الناس يقول: المعين لا يكفر .

ج : هذا من الجهل، إذا أتى بمكفّر، يكفر. اهـ.
وبهذا يتبين مذهب الشيخ ابن باز- رحمه الله- في مسألة تكفير المعين، ومسألة العذر بالجهل، وهذه المسائل تحتاج إلى تفصيل، وتأصيل يرجع فيه لمراجعه المتخصصة.

وراجع للفائدة الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 133159، 121629، 30284، 19084، 111072.

وراجع في مسألة تكفير المعين الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 15255، 133159، 106483، 199721، 176653.

وراجع في حكم الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم الفتويين: 163953، 193587.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني