الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أمراض القلوب.. أنواعها.. أحكامها.. ودواؤها

السؤال

أحيانًا تشدد أمراض القلوب على أحد، فتغلبه. فهل هو مؤاخذ بها؟ وهل كل أمراض القلوب من الكبائر؟ وهل كل أمراض القلوب مؤاخذ بها فمنها ما هو فعل، ومنها ما هو عمل قلبي؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنقدم بين يدي الجواب أنواع أمراض القلوب حتى يتضح الجواب، فنقول:
قد قسم ابن القيم في إغاثة اللهفان أمراض القلوب إلى نوعين فقال رحمه الله: مرض القلب نوعان:

نوع لا يتألم به صاحبه في الحال: وهو النوع المتقدم كمرض الجهل، ومرض الشبهات والشكوك، ومرض الشهوات. وهذا النوع هو أعظم النوعين ألما، ولكن لفساد القلب لا يحس بالألم؛ ولأن سكرة الجهل، والهوى تحول بينه وبين إدراك الألم، وإلا فألمه حاضر فيه، حاصل له وهو متوار عنه باشتغاله بضده، وهذا أخطر المرضين، وأصعبهما.

وعلاجه إلى الرسل، وأتباعهم فهم أطباء هذا المرض.

والنوع الثاني: مرض مؤلم له في الحال كالهم، والغم، والغيظ. وهذا المرض قد يزول بأدوية طبيعية كإزالة أسبابه، أو بالمداواة بما يضاد تلك الأسباب، وما يدفع موجبها مع قيامها.

وهذا كما أن القلب قد يتألم بما يتألم به البدن، ويشقى بما يشقى به البدن. فكذلك البدن يتألم كثيرا بما يتألم به القلب، ويشقيه ما يشقيه.

فأمراض القلب التي تزول بالأدوية الطبيعية من جنس أمراض البدن، وهذه قد لا توجب وحدها شقاءه، وعذابه بعد الموت. وأما أمراضه التي لا تزول إلا بالأدوية الإيمانية النبوية، فهي التي توجب له الشقاء، والعذاب الدائم إن لم يتداركها بأدويتها المضادة لها. فإذا استعمل تلك الأدوية حصل له الشفاء. انتهى.
فقد بيّن- رحمه الله- أن أمراض القلوب التي قد تزول بالأدوية الطبيعية -كالغم والهم والغيظ- لا توجب وحدها شقاء صاحبها، وعذابه بعد الموت، وهذا يعني أنها قد توجب له العذاب بعد الموت؛ أي أنه قد يؤاخذ بها، وذلك كأن يغتم لفوات معصية يريد تحصيلها، أو يغتاظ لنعمة أنعم الله بها على شخص، ونحو ذلك.
وأما أمراض القلوب التي لا تزول إلا بالأدوية الإيمانية، وهي أمراض الشبهات، والشهوات، فقد ذكر أنها توجب لصاحبها الشقاء، والعذاب الدائم إن لم يتداركها بالأدوية، ومعنى ذلك أنه مؤاخذ بها؛ لأنها نابعة من الهوى.

قال ابن القيم -رحمه الله- في كتاب روضة المحبين: فأمراض القلب كلها من متابعة الهوى. انتهى.
ولا يؤثر في المؤاخذة بأمراض القلوب كونها قد اقترنت بها أفعال الجوارح أم لم تقترن، بل يؤاخذ العبد بها وحدها، ويؤاخذ بها، وبأفعال الجوارح إذا اقترنت بها.
وأما سؤالك عن أمراض القلوب هل كلها من الكبائر أم لا؟

فقد أجاب عن ذلك الدكتور سهل بن رفاع الروقي في رسالته للدكتوراه: (أعمال القلوب حقيقتها، وأحكامها عند أهل السنة والجماعة، وعند مخالفيهم) حيث قال وفقه الله: والمحرمات القلبية نوعان: كفر، ومعصية.

فالكفر مثل: الشك، والنفاق، والشرك وتوابعها.

والمعصية نوعان: كبائر، وصغائر.

الكبائر، مثل: الرياء، والعجب، والكبر، والفخر، والخيلاء، والقنوط من رحمة الله، والأمن من مكر الله، وسوء الظن بالمسلمين، والحسد، والسخط، والشح، والحقد، والتباغض بين المسلمين.

والصغائر، مثل: شهوة المحرمات وتمنيها. انتهى.
وللفائدة يرجى مراجعة هاتين الفتويين: 17323، 117096.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني