الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كلام ابن تيمية يدور حول نفي شهود حدوث الذوات ابتداء

السؤال

كنت قد سألتكم السؤال رقم: 2534915 وفهمت منكم أن ابن تيمية يقول إن كل ما سوى الله مخلوق، مسبوق بالعدم حتى وإن خلق من شيء.
ولكن سؤالي الذي أريد جوابا صريحا عليه: هل ابن تيمية يقول إن خلق شيء لا من شيء، لا يدخل تحت القدرة، والإمكان، خصوصا أنه قال في النبوات أيضا الآتي: (لما ظنّ طائفة أنّها لم تُخلق من مادة، ظنّوا أنّها قديمة، أزلية. وأيضاً فالدليل الذي احتجّ به كثيرٌ من النّاس على أنّ كُلّ حادث لا يحدث إلا من شيء، أو في شيء؛ فإن كان عرضاً لا يحدث إلاَّ في محلّ، وإن كان عيناً قائمة بنفسها، لم تحدث إلاَّ من مادة، فإنّ الحادث إنّما يحدث إذا كان حدوثه ممكناً، وكان يقبل الوجود والعدم، فهو مسبوق بإمكان الحدوث، وجوازه، فلا بُدَّ له من محلّ يقوم به هذا الإمكان والجواز.
وقد تنازعوا في هذا: هل الإمكان صفة خارجية، لا بُدّ لها من محلّ، أو هي حكم عقلي لا يفتقر إلى غير الذهن؟
الإمكان نوعان.
والتحقيق: أنّه نوعان: فالإمكان الذهني: وهو تجويز الشيء، أو عدم العلم بامتناعه، محلّه الذهن.
والإمكان الخارجي المتعلق بالفاعل، أو المحل؛ مثل أن تقول: يمكن القادر أن يفعل. والمحل؛ مثل أن تقول: هذه الأرض يمكن أن تزرع، وهذه المرأة يمكن أن تحبل. وهذا لا بُدّ له من محلّ خارجيّ، فإذا قيل عن الربّ: يمكن أن يخلق؛ فمعناه أنّه يقدر على ذلك، ويتمكّن منه. وهذه صفة قائمة به.
وإذا قيل: يمكن أن يحدث حادث؛ فإن قيل يمكن حدوثه بدون سبب حادث، فهو ممتنع، وإذا كان الحدوث لا بُدّ له من سبب حادث؛ فذاك السبب إن كان قائماً بذات الرب، فذاته قديمةٌ أزليّةٌ، واختصاص ذلك الوقت بقيام مشيئةٍ، أو تمام تمكّنٍ، ونحو ذلك، لا يكون إلا لسببٍ قد أحدثه قبل هذا في غيره، فلا يحدث حادثٌ مبايِنٌ إلاَّ مسبوقاً بحادثٍ مباينٍ له.
فالحدوث مسبوقاً بإمكانه، ولا بُدّ لإمكانه من محلّ، ولهذا لم يذكر الله قط أنّه أحدث شيئاً إلا من شيء. والذي يقول إنّ جنس الحوادث حدثت لا من شيء، هو كقولهم: إنها حدثت بلا سبب حادث، مع قولهم إنّها كانت ممتنعة، ثم صارت ممكنة، من غير تجدّد سبب، بل حقيقة قولهم أنّ الربّ صار قادراً بعد أن لم يكن، من غير تجدّد شيءٍ يُوجِب ذلك) انتهي كلامه.
فهل إذا خلق الله شيئا لا بد أن يكون من شيء؟ وهل بن تيمية يقول بهذا؟ وإن كان يقول بهذا فهل توافقونه القول؟ وهل قال أحد من الأئمة بمثل قوله، مع كامل إجلالي لشيخ الإسلام ابن تيمية؟
أعتذر عن الإطالة، والإكثار.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلم يقل شيخ الإسلام ابن تيمية: إن خلق شيء لا من شيء، لا يدخل تحت القدرة، والإمكان! وإنما نفى شهود حدوث ذلك، كما قال في (بيان تلبيس الجهمية): فأما حدوث الذوات ابتداءً من غير سبق مادة، ولا طينة، فهذا شيء ما شاهدناه البتة. اهـ.

وقال في (النبوات): المشهود المعلوم للناس إنّما هو إحداثه لما يحدثه من غيره، لا إحداثاً من غير مادة. اهـ.
فليس كلامه في الإمكان، وقدرة الله سبحانه على ذلك، وإنما كلامه في الواقع الذي أخبرنا الله عنه في كتابه، ولذلك قال بعدها: ولهذا قال تعالى: {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئَاً} ولم يقل خلقتك لا من شيء، وقال تعالى: {وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ} ولم يقل خلق كل دابة لا من شيء، وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} ... اهـ.

وقد أراد شيخ الإسلام بكلامه هذا ـ كما أشرنا سابقا ـ الرد على المتكلمين، والفلاسفة في ما زعموه من أزلية المادة، وما ترتب على ذلك من القول بأن الجواهر كلها أُبدعت ابتداءً لا من شيء.

وهذا الموضوع له علاقة أيضا بمسألة تسلسل الحوادث في الماضي في النوع، لا في الأعيان والأفراد، وقد أحلناك في ذلك سابقا على الفتويين: 135105، 190011.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني