الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الرؤية الشرعية في تنزيل أحاديث الفتن على واقع حاضر

السؤال

في حديث رواه الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق عن المنذر بن النعمان الأفطس قال: سمعت وهبا يحدث عن ابن عباس قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: يخرج من عدن أبين اثنا عشر ألفا، ينصرون الله ورسوله، هم خير من بيني وبينهم.
هذا حديث صحيح, رواه الصحابة والثقات عن الرسول صلى الله عليه وسلم في أهل اليمن, أريد منكم يا علماءنا الكرام أن تزودونا بصورة عامة عن الحديث و تفسيره, وبيان سبب التخصيص بذكر عدن أبين من مدن اليمن, هل هو لأنه في ذلك الوقت يجتمع المؤمنون في عدن أبين هناك لإنهاء الفتن التي تكون في اليمن؟ أم لأن عدن من أشهر المدن؟ أم أنه أراد ذكرها لشهرتها فتشير لليمن بشكل عام؟
واستفسار آخر, هل يمكن أن تكون هناك علاقة بين ما يجري اليوم في اليمن من فتن بهذا الحديث؟
وشكرا لكم جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالحديث صحيح -كما ذكر السائل- وقد قال الهيثمي في (مجمع الزوائد): رواه أبو يعلى والطبراني... ورجالهما رجال الصحيح غير منذر الأفطس، وهو ثقة. اهـ.
وقال البوصيري في (إتحاف الخيرة المهرة): رواه أبو يعلى الموصلي وأحمد بن حنبل بسند رواته ثقات. اهـ.
وصححه الألباني وأحمد شاكر.
وأما معنى الحديث وتأويله، فلم نجد للشراح كلاما لننقله، وليس في ألفاظه شيء يستغرب، وظاهره أنه في فضل عدن خصوصا، وقد بوب عليه ابن الجوزي في العلل بفضل عدن. وأورده الساعاتي في (الفتح الرباني23 / 298) في باب: (فضل عمان وعدن وأهلهما).
أما تنزيله على الواقع فهذا مما يجب التوقف عنده، وعدم القطع بشيء منه دون بينة شرعية، وقد عقد الشيخ محمد المقدم في كتابه (فقه أشراط الساعة) بابا خاصا بضوابط التعامل مع نصوص الفتن وأشراط الساعة، وذكر من جملتها: أنه لا يمكن إسقاط النصوص التي يطرقها الاحتمال على واقع معين إلا بعد وقوعها وانقضائها، وقال: إن تنزيل النصوص الشرعية المتعلقة بالفتن والملاحم على ما يقع من النوازل مع القطع بذلك دون شك ولا تردد؛ من الرجم بالغيب، ومن القول على الله بغير علم، وقد قال تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم}... لقد كان من هدي السلف ـ رحمهم الله تعالى ـ أنهم لا يُنَزِّلون أحاديث الفتن على واقع حاضر؛ وإنما يَرَوْنَ أصدق تفسير لها، وقوعها مطابقة لخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولذلك نلاحظ أن عامَّة شارحي الأحاديث الشريفة كانوا يُفيضون في شرحها، واستنباط الأحكام منها، حتى إذا أتوا على أبواب الفتن وأشراط الساعة، أمسكوا أو اقتصدوا في شرحها للغاية، وربما اقتصروا على تحقيق الحديث، واكتفوا بشرح غريبه؛ بخلاف ما يحصل من بعض المتعجلين المتكلفين اليوم؛ فإنه بمجرد ظهور بوادرَ لأحداث معينة؛ سياسية كانت أو عسكرية، محلية أو عالمية، تستخفهم البُداءات، وتستفزهم الانفعالات، فيُسقطون الأحاديث على أشخاص معينين، أو وقائع معينة، ثم لا تلبث الحقيقة أن تبين، ويكتشفوا أنهم تهوروا وتعجلوا. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني