الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

عند يبعث الإنسان الذي فقد يده أو رجله أو أي شيء آخر في الدنيا، هل سيعيده الله كما كان؟
شكرا لكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنشكر لك تواصلك معنا، وننصحك بأن تصرف همتك إلى السؤال عن أصول الإيمان وأعمال القلوب، والعبادات ونحوها من العلوم التي يحتاجها كل مسلم في أمر دينه، وأما الغرائب التي ليس لها ثمرة عملية كبيرة، فلا يحسن التشاغل بالسؤال عنها، لا سيما من قبل المبتدئين في طلب العلم.

قال ابن عابدين: يكره الجدل في أن لقمان وذا القرنين وذا الكفل أنبياء أم لا، وينبغي أن لا يسأل الإنسان عما لا حاجة إليه كأن يقول: كيف هبط جبريل وعلى أي صورة رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - وحين رآه على صورة البشر هل بقي ملكا أم لا؟ وأين الجنة والنار ومتى الساعة ونزول عيسى؟ وإسماعيل أفضل أم إسحاق وأيهما الذبيح؟ وفاطمة أفضل من عائشة أم لا؟ وأبوا النبي كانا على أي دين؟ ... إلى غير ذلك مما لا تجب معرفته ولم يرد التكليف به .اهـ. من رد المحتار. وراجع في هذا الفتوى: 286822.

وعلى كل حال: فإن الذي يسعنا قوله في هذه القضية الغيبية هو أن نشأة الخلق بعد البعث هي نشأة أخرى مختلفة عن النشأة الأولى في الدنيا، قال ابن تيمية: وكذلك الإعادة يعيده بعد أن يبلى كله إلا عجب الذنب؛ كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: كل ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب، منه خلق ابن آدم ومنه يركب. وهو إذا أعاد الإنسان في النشأة الثانية لم تكن تلك النشأة مماثلة لهذه، فإن هذه كائنة فاسدة، وتلك كائنة لا فاسدة بل باقية دائمة، وليس لأهل الجنة فضلات فاسدة تخرج منهم؛ كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {أهل الجنة لا يبولون ولا يتغوطون ولا يبصقون ولا يتمخطون، وإنما هو رشح كرشح المسك}. والنشأة الثانية لا يكونون في بطن امرأة، ولا يغذون بدم، ولا يكون أحدهم نطفة رجل وامرأة ثم يصير علقة، بل ينشئون نشأة أخرى، وتكون المادة من التراب، كما قال: {منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى} وقال تعالى: {فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون} وقال {والله أنبتكم من الأرض نباتا * ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا} وفي الحديث: {إن الأرض تمطر مطرا كمني الرجال ينبتون في القبور كما ينبت النبات} كما قال تعالى: {كذلك الخروج} {كذلك النشور} {كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون} فقول القائل يعيده على صفة ما كان وقت موته أو سمنه أو هزاله أو غير ذلك جهل منه، فإن صفة تلك النشأة الثانية ليست مماثلة لصفة هذه النشأة حتى يقال: إن الصفات هي المغيرة؛ إذ ليس هناك استحالة ولا استفراغ ولا امتلاء ولا سمن ولا هزال ولا سيما أهل الجنة إذا دخلوها فإنهم يدخلونها على صورة أبيهم آدم: طول أحدهم ستون ذراعا كما ثبت في الصحيحين وغيرهما، وروي أن عرضه سبعة أذرع، وهم لا يبولون ولا يتغوطون ولا يبصقون ولا يتمخطون . اهـ. باختصار من مجموع الفتاوى.

وأما أهل الجنة: فلاريب في أنهم يدخلونها في أكمل صورة، فلا يمكن أن يكون في الجنة مبتور اليد أو الرجل، جاء في الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة، لا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون ولا يتفلون، أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوة، وأزواجهم الحور العين، أخلاقهم على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم ستون ذراعا في السماء. متفق عليه.

جاء في مرقاة المفاتيح: قال النووي - رحمه الله -: روي بضم الخاء واللام، وبفتح الخاء وإسكان اللام، وكلاهما صحيح، ورجح الضم بقوله في الحديث الآخر: لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم على قلب واحد، وقد يرجح الفتح بقوله: لا يتمخطون ولا يتفلون. قال الطيبي - رحمه الله -: فعلى هذا لا يكون قوله: على صورة أبيهم آدم بدلا من قوله: على خلق رجل واحد، بل يكون خبر مبتدأ محذوف، فإذا قيل: الموصوفون بالصفات المذكورة كلها على خلق رجل واحد - حسن الإبدال، انتهى. وإنما الاختلاف في المراد بلفظ الحديث، وإلا فلا خلاف أن أهل الجنة كلهم كاملون في الخُلق والخَلق جميعا ، بل الخلق - بالضم - هو الخليق بالاعتبار، فإنه موجب بحسن الخلق - بالفتح - ولذا قيل: الظاهر عنوان الباطن، وقد ورد أنه سبحانه ما خلق نبيا إلا حسن الصورة وحسن الصوت، ولكن قوله تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم} [القلم: 4] بيان أن يكون له - صلى الله تعالى عليه وسلم - شأن عظيم في خلق تصويره الجسيم، فإن المؤمن مرآة المؤمن، فبمقدار صفاء المرآة وصقالتها وتخليتها وتجليتها تنعكس وتتجلى فيها صورة المحبوب المطلوب .اهـ.

وراجع للفائدة الفتوى رقم: 157867.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني