الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

توضيح حول عدل الله تعالى

السؤال

قرأت لكم ردا على سؤال لأحد الإخوة، يقول فيه: هل يجوز أن يقال: إن عدل الله تعالى لم يتحقق تماما في الدنيا. وكان ردكم أن القول بعدم تحقق عدل الله كفر.
وقرأت لكم في فتوى أخرى أن عدل الله المطلق يتحقق في الآخرة. وسمعت د محمد راتب النابلسي يقول: إن اسم الله العدل يتحقق جزئيا في الدنيا.
فكيف يقول ذلك، وأنتم تفتون بتكفير من يقول ذلك؟
وأنا أعلم جيدا أن الله حرم الظلم على نفسه، ولا يظلم أحدا أبدا، ولكن التبس علي الأمر. هل نقول إن الله حين يبتلي المسلم مثلا ويجازيه في الآخرة، أن هذا هو العدل، أم إننا نرى أن الابتلاء عدل، والجزاء عدل؟ وأنا أعلم جيدا أنه لا يجوز أن نصف أي فعل لله بأنه ليس عدلا.
ولكن سؤالي: هل مثلا حينما تقع مصيبة بأحد، سواء كان مسلما، أو غير مسلم، نقول إن هذا عدل الله؛ لأنه سينال جزاء ذلك إما في الدنيا أو الآخرة، أم نقول إن المصيبة عدل، والجزاء عدل أيضا، أم إن الجزاء هو العدل المطلق؟
وهل أنا آثم لتفكيري في هذا؟ فأنا لا أريد سوى أن أصل إلى الاعتقاد السليم، مع تسليمي واعتقادي أن الله لا يسأل عن أفعاله، وأؤمن بعدل الله المطلق، وحكمته في كل شيء، ولكن أريد أن أفهم معنى عدل لله؟ وهل ننظر إلى الفعل والجزاء على أنهما عدل معا، أم كل منهما عدل؟
وبعد اطلاعي على بعض الفتاوى على موقعكم الجميل، فهمت أن انتفاء الظلم في الدنيا عن الله تام، بأنه لا يضع الأمور في غير موضعها. ومنتف في الآخرة بأنه يجازي كل امرئ بما فعل. فهل فهمي صحيح لهذه المسألة، وبمعنى عدل الله في الدنيا والآخرة؟
وأنا أرتاح لهذا المعنى، وأشعر أنه يفصل في المسألة. فهل هذا الفهم صحيح؟
أرجوكم أجيبوني عن مفهوم عدل الله الذي يجب أن نعتقده، فأنا أخشى على ديني من الكفر إن اعتقدت اعتقادا خاطئا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإقامة العدل بين العباد، إنما يتحقق كاملا في الآخرة عندما توضع موازين القسط ليوم القيامة، فلا تظلم نفس شيئا. وأما في الدنيا فقد يموت المظلوم بمظلمته، ويموت الظالم بظلمه، دون أن يقام العدل بينهما، حتى تُقتَصَّ بينهم المظالم يوم القيامة.

وكذلك فإن المحسنين في الدنيا يموت بعضهم دون أن يرى جزاء إحسانه فيها، حتى يُجزَى بذلك يوم القيامة! وذلك أن الدنيا ليست بدار جزاء، وإنما هي دار عمل، بعكس الآخرة فهي دار جزاء وليست دار عمل.
وهذا لا يتعارض مع اتصاف الله تعالى بالعدل مطلقا، فهو سبحانه متصف بذلك أزلا وأبدا، وإن كان ظهور آثاره للعباد في الدنيا يتفاوت، حتى يظهر جليا للجميع، ويرى حق اليقين، في الآخرة، حيث: تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ {البقرة:281}، {آل عمران:161}، وذلك يوم القيامة، كما قال تعالى: الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [غافر: 17].
وقد سبق لنا في الفتوى رقم: 137631 بيان أن الظلم الذي يجب نفيه عن الله تعالى هو الظلم المتعلق بالجزاء، فالله تعالى لا يجزي العبد إلا بعمله، ولا يعذبه إلا بذنبه، ولا يضيع أجر المحسنين.

وأما الظلم هنا في الدنيا فلا يتحقق إلا بوضع الشيء في غير موضعه، وهذا لا يكون في حكم الله أبدا، ولكننا لقصور علمنا ونقص معرفتنا لا ندرك كثيرا من مواضع الحكمة، وليس عندنا ما يؤهلنا لقدر كل شيء قدره، ووضع كل شيء موضعه.

وأما الله تعالى، فله الحجة البالغة والحكمة التامة، وهو بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني