الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما مقدار الإطعام المنذور؟ وهل يجب إطعام جميع المساكين دفعة واحدة؟

السؤال

نذرت إذا شفى الله والدي؛ أن أقوم بإطعام 50 مسكينًا، فبماذا يكون الإطعام؟ وما مقداره؟ وهل يجوز الإطعام بوجبات المطاعم؟ ومتى يجب الوفاء بالنذر؟ هل في حالة شفائه التام؟ وهل يجب إطعام الخمسين مرة واحدة، أم يمكن تقسيمها على شهرين؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالإقدام على النذر المعلق مكروه؛ لثبوت النهي عنه، لكن من نذر طاعة لله تعالى، وجب عليه الوفاء بها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: من نذر أن يطيع الله؛ فليطعه، ومن نذر أن يعصيه؛ فلا يعصه. رواه البخاري، وغيره.

وبخصوص السؤال الأول: بم يكون الإطعام؟ فقد أجبنا عنه في فتاوى عديدة، مثل الفتوى: 242041.

وبينا أن الأرز والقمح من أوسط ما يطعمه الناس، فلا حرج في الاقتصار على أحدهما في الإطعام، وإن كان معه إدام، فحسن.

وأما مقدار الإطعام المنذور، فقد نص بعض أهل العلم على أنه بمقدار الإطعام في اليمين، جاء في كتاب المحيط البرهاني لابن مازة الحنفي: روى المعلى عن أبي يوسف، عن أبي حنيفة -رضي الله عنه-: إذا قال: لله عليّ إطعام عشرة مساكين، فهو سواء، لا يجزئه أن يطعمهم إلا ما يطعم في كفارة اليمين. انتهى.

ولمعرفة مقدار الإطعام في كفارة اليمين، انظر الفتوى: 395692.

وقال ابن قدامة في المغني: قدر الطعام في الكفارات كلها مد من بر لكل مسكين، أو نصف صاع من تمر أو شعير...

وقال أبو هريرة: يطعم مدًّا من أي الأنواع كان، وبهذا قال عطاء، والأوزاعي، والشافعي... اهـ.

وعلى هذا؛ فإن أخذ لهم وجبات من المطاعم، لكل واحد منهم ما يغديه أو يعشيه، فلا بأس بذلك، قياًسا على ما قاله بعض أهل العلم في كفارة اليمين، جاء في مجموع فتاوى الشيخ ابن باز -رحمه الله-: وإن عشاهم أو غداهم، كفى ذلك؛ لعموم الآية الكريمة المذكورة آنفًا. انتهى.

ويلزم الوفاء عند تحقق الشرط بتمامه، أي: عند الشفاء التام، جاء في الموسوعة الفقهية: اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ تَعْلِيقِ النَّذْرِ بِالشَّرْطِ، وَلاَ يَجِبُ الْوَفَاءُ قَبْل حُصُول الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ؛ لِعَدَمِ وُجُودِ سَبَبِ الْوَفَاءِ، فَمَتَى وُجِدَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ، وُجِدَ النَّذْرُ، وَلَزِمَ الْوَفَاءُ بِهِ. انتهى.

أما بالنسبة لما سألت عنه هل يجب إطعام الخمسين مرة واحدة، أم يمكن تقسيمه على شهرين؟

فإن كنت قد نويت صرف ما نذرت دفعة واحدة؛ فإنه يلزمك في حال القدرة على ذلك إخراجه وفق ما نويت.

وإن كنت غير قادرة على إخراج ما نذرت دفعة واحدة، فإنك تنتظرين حتى يحصل عندك ما يجزئ إطعام الخمسين الذي نذرت.

أما إذا كنت لم تنوي الإخراج دفعة واحدة، فيمكن أن تدفعيه دفعة واحدة، ويمكن أن تدفعي ما قدرت عليه، وما بقي يكون في ذمتك، فتدفعينه متى ما تيسر لك الحصول عليه، قال الدسوقي في حاشيته -وهو يتكلم على من نذر بدنة، فعجز عنها، وعن بدلها من الغنم- قال: فلو قدر على دون السبعة من الغنم، فإنه لا يلزمه إخراج شيء من ذلك، كما هو ظاهر كلام المؤلف، والمواق، بل يصبر لوجود الأصل أو بدله، أو بدل بدله بتمامه. وقال بعضهم: يلزمه إخراج ما هو قادر عليه، ثم يكمل ما بقي عند اليسر، وهو ظاهر؛ لأنه ليس عليه أن يأتي بها كلها في وقت واحد. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني