الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كره الأب لتصرفاته المؤذية لا يجيز عدم الإحسان إليه

السؤال

مرحبا، عشت طفولة عادية، لكن خالية تماما من حنان الأب. ومن شدة حبي لوالدتي، أصبحت أصلي مثلها على المذهب السني.
في يوم من الأيام عندما رآني أبي، هددني بأن يضع طلقة في رأسي بسبب هذا الفعل. رجعت للصلاة وفق المذهب الآخر، ولكن بعد فترة نفرت تماما من الصلاة، وتركتها لمدة طويلة جدا -للأسف- وعدت لها متذبذبة.
وقعت هذه الحادثة قبل 15 سنة تقريبا، وعمري الآن 29 سنة. الحمد لله عدت للصلاة والانتظام والدعاء، ولكن منذ تلك اللحظة وإلى الآن لا أستطيع أن أغفر لوالدي أو أسامحه أبدا، وكأن قلبي نبذه للأبد.
والدتي يوم الحادثة كانت خارج المنزل، وعندما عادت لم أتحدث إليها بهذا الشأن إلا بعد سنوات عديدة.
خلال هذه السنين حاولت والدتي جعلي أسامحه وأنظف قلبي من الكره تجاهه، وأن أنظر إليه نظرة عطف بسبب عمره؛ ليرضى الله علي ووعدتها بذلك، ولكن لا أستطيع، كلما بدأت بالصلاة أتذكر ذلك اليوم المشؤوم، لا أستطيع أن أسامحه، لا أستطيع حتى أن أقول له صباح الخير بطيبة، وإنما مجبرة على ذلك. لا أستطيع أن أحن عليه مهما حاولت، عندما أخرج إلى السوق أشتهي الطيبات لأمي الحبيبة فقط، وأجبر نفسي على أن آتي له بشيء ما لإرضاء الله سبحانه، وأختار له أبسط شيء؛ لإراحة ضميري فقط.
أعرف أن الله لن يرضى عني بسبب هذا الشيء. أنا بنت حساسة جدا، أتأثر بالكلمة قبل الفعل. وهذه الجملة كسرتني قبل 15 سنة، كنت أظن أن الزمن كفيل بجعلي أنسى، ولكن لم أنس أبدا.
لا أستطيع أن أحبه، لا أستطيع أن أغفر له، كان هو سبب وجعي وحزني وخوفي في تلك الليلة الحقيرة، بعيدا عن أمي الحبيبة.
كلما تذكرت هذا الموضوع يصيبني وجع كبير، لا أستطيع أن أتجاوزه.
هل سيعاقبني الله على عدم حبي له، وعدم بري به، وعلى عدم معاملته كما أعامل أمي؟
هل سيغضب علي ربي بسبب هذا الشيء؟
لا أعرف إن كان الموضوع هينا أو لا عند البعض، ولكنه قد كسرني بحق، والله العظيم قد كسرني.
والآن بعد أن رجعت إلى طريق الله، أخاف أن يكون ربي غاضبا علي بسبب كرهي لوالدي، وأشعر بالضياع، فلا أستطيع أن أسامحه، ولا أستطيع أن لا أفكر بالله سبحانه.
أعتذر عن الإطالة، لكن أردت إيصال شعوري الكامل.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلنبدأ بالصلاة، فشأنها عظيم، فهي الركن الثاني من أركان الإسلام، وهي الصلة بين العبد وربه، وأول ما يحاسب عليه العبد من أعماله يوم القيامة. فإن صلحت؛ فقد نجا، وإن فسدت؛ فقد خسر.

وتركها من كبائر الذنوب، ومن أسباب سخط علام الغيوب، بل إن بعض أهل العلم ذهب إلى كفر تاركها وخروجه من ملة الإسلام، وسبق بيان ذلك في الفتوى: 1145.

فقد أخطأت خطأ بينا بإقدامك على تركها بسبب هذا التصرف السيء من أبيك، فالواجب عليك المبادرة للتوبة إلى الله سبحانه، وراجعي شروط التوبة في الفتوى: 5450.

وكرهك لأبيك بسبب هذا التصرف وما كان منه من تهديد لك بالقتل، لا حرج عليك فيه؛ فالكره ونحوه من الأمور القلبية لا اختيار للمرء فيها، ولذلك لا مؤاخذة عليه فيها، قال تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الأحزاب:5}، وفي سنن ابن ماجة عن أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه.

ولكن يجب عليك الحذر من أن يدفعك هذا الكره لتصرفاته إلى ترك بره والإحسان إليه، أو أن يصدر منك ما يؤذيه بأي نوع من الأذى، فتكونين قد وقعت بذلك في العقوق، فمن حق الوالد أن يحسن إليه ولده وإن أساء، وسبق أن بينا ذلك في الفتوى: 299887، وقد نبهنا فيها إلى الدعاء له بالهداية، فذلك من أعظم الإحسان.

ولا يلزم أن يكون برك بأبيك بنفس القدر الذي تبرين به أمك، ولكن عليك بره والإحسان إليه، فليصله منك من الإحسان ما أمكنك، ودفع الأذى عنه.

جاء في غذاء الألباب للسفاريني، وهو يبين معنى البر: وَالْمَعْنَى الْجَامِعُ: إيصَالُ مَا أَمْكَنَ مِن الْخَيْرِ، وَدَفْعُ مَا أَمْكَنَ مِن الشَّرِّ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ. اهـ.

والعرف معتبر في تحديد ما يحصل به البر والصلة، كما ذكر أهل العلم، فانظري الفتوى: 367546. ولمعرفة ضابط العقوق، راجعي الفتوى: 73485.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني