الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إضاءات على من زنت وتزوجت وتعاني من ضغوط نفسية عنيفة

السؤال

مشكلتي ليست سهلة، ففي كل ثانية أتمنى الموت؛ فهو أفضل لي.
أنا متزوجة، وعندي ولد، منحني الله نعم الزوج ونعم الطفل، والحمد لله. لكن المشكلة أني قبل الزواج كنت أقع في الحرام دون تفكير في عاقبة الأمر، وفقدت عذريتي. ومع ذلك سترني ربي، ووهبني نعم الزوج الذي سترني ولم يفضحني.
بعد عام من الزواج دخلت في مرحلة خوف وهلع كبير من افتضاح أمري، فبعد أن كان أهل زوجي يعاملونني جيدا، تغيروا جذريا، وأصبحوا يرمونني بكلام قاس، جعلني أشك أنهم على دراية بالموضوع.
بسبب غبائي اشتكيت لزوجي، وصارحته بأني أخطأت مع شخص، وفقدت عذريتي. فقال لي إنه علم من أول يوم يعني يوم العرس، وأراد ستري فالله أمر بالستر. فقلت له: احلف لي يمينا أنك لم تخبر أحدا من أهلك؛ فحلف لي. لكن بعد ذلك تبين لي أنه صارحهم بذلك، ووقعت مشكلة مع أمه وأخواته، وقد طلبن منه تطليقي، مع العلم أني تزوجته عن طريق أخته، فهي من خطبتني لأخيها. وقد قال لهم لا أطلقها ولا يكلمها أحد في الموضوع.
كنت أسكن معهم، فبعد الحادثة طلبوا منا الخروج وفعلا قمنا بذلك.
أرجوكم دلوني إلى ما يحكم به الشرع في قضيتي. فهل دعاؤهم علي بالشر في هذه الحالة مستجاب، فقد تسببت لهم بالكثير من المشاكل: فمن جهة جريمة الزنا تلاحقني، ومن جهة العار الذي تسببت به لأهلي. ومن جهة المشاكل التي تسببت فيها.
فأنا والله لن أسامح نفسي عن فعلتي. فأريده أن يتزوج من امرأة عفيفة؛ كي يطفئ نار أهله.
وأحيانا أقول أصارحه أني أعلم أنه أخبرهم، وأطلب الطلاق؛ كي يرتاحوا ويرتاح هو، فهو أيضا ليس مرتاحا بعد أن صارحته، لكنه يخفي عني، ويقول لي: لا أحد يعلم، وأنا متيقنة أنهم يعلمون.
لقد تبت إلى الله، والله غفور رحيم، لكن العباد لا يرحمون.
أرجوكم دلوني على الصواب.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإننا أولاً نذكرك بجملة النعم التي أنعم الله بها عليك، ومن أهمها نعمة التوبة إلى الله، إضافة إلى نعمة هذا الزوج ونعمة هذا الطفل.

فاستشعارك لهذه النعم يعينك في مدافعة هذه الضغوط النفسية التي أنت فيها، واحرصي أيضا على الإكثار من ذكر الله وشكره، فقد قال تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ {البقرة:152}، وقال أيضا: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد:28}.

ثانيا: لست مخطئة بزواجك من هذا الرجل مع عدم إخباره بما كان من زوال البكارة، إذ لا يلزم إخباره بذلك إلا إذا اشترطه، كما بينا في الفتوى: 130511.

فلم تكوني ظالمة له، ولا ظالمة لأهله، فهوني على نفسك، خاصة وأنه قد أمسكك وأحسن عشرتك ورفض تطليقك. وإن دعا عليك أهل زوجك بغير وجه حق، فلا يستجاب دعاؤهم، فإنه دعاء بإثم.

ثالثا: لا شك في أنك قد أخطأت بالاعتراف لزوجك بما كان من أمر الزنا؛ إذ كان الواجب عليك الستر على نفسك وقد ستر الله عليك، وانظري الفتوى: 60751.

هذا من جانب، ومن جانب آخر أخطأت بالبحث فيما إن كان زوجك قد أخبر أهله أم لا.

وإخبارك زوجك بأنك تعلمين بأنه أعلم أهله بما كان منك، ليس وراءه مصلحة، بل قد يكون محض مفسدة، فلا ينبغي لك المصير إلى ذلك.

رابعا: ليس لأهل زوجك مؤاخذتك بذنب قد مضى وتبت إلى الله -عز وجل- منه، فمن ذا الذي ما ساء قط، ومن له الحسنى فقط.

روى الترمذي وابن ماجه عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون.

فإن صدرت من أهل زوجك مؤاخذة، فذكريه بهذا المعنى.
خامسا: احرصي على أن تكون الحال بينك وبين زوجك على أحسن حال من العشرة والألفة والمودة، واصبري على ما قد يصدرك تجاهك من أهله. وقابلني السيئة بالحسنة، فهذا يمكن أن يكون من دواعي حسن الحال بينك وبينهم، قال الله سبحانه: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34}.

قال ابن كثير في تفسيره: ادفع بالتي هي أحسن؛ أي: من أساء إليك، فادفعه عنك بالإحسان إليه، كما قال عمر -رضي الله عنه-: ما عاقبتَ من عصى الله فيك، بمثل أن تطيع الله فيه.

وقوله: فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم؛ وهو الصديق، أي: إذا أحسنت إلى من أساء إليك، قادته تلك الحسنة إليه إلى مصافاتك، ومحبتك، والحنوّ عليك؛ حتى يصير كأنه ولي لك حميم؛ أي: قريب إليك من الشفقة عليك، والإحسان إليك. اهـ.
سادسا: كوني على حذر من تهويل الشيطان للأمور في نفسك؛ فإنه يريد بذلك دفعك إلى ما فيه هلاكك، بدليل ما ذكرت من تمني الموت، وهو مما نهى عنه الشرع، وسبق بيان ذلك في الفتوى: 223702.

فهوني الأمور على نفسك، وتناسي الماضي، واستشرفي المستقبل، واصرفي همتك إلى ما ينفعك في دينك ودنياك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني