الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يتصدق بالدجاج الكبير السن أم يطعمه للحيوانات؟

السؤال

عندي مزرعة دجاج وهو يبيض، وهو كبير في العمر، وبعد مُضي سنوات أصبحَ يبيض بمعدَّل يوميّ، غير مُربح في وسط سوق البيض، وعالَم التِّجارة. فقررنا أن نذبحَ هذا الدَّجاجَ، ونُطعمَه للكلاب والحيوانات الجارحة.
فهل يجوز ذلك من ناحية شرعيَّة؟ أم من الأفضل إطعامه للمساكين والفقراء وغيرهم؛ لأنَّنا نريدُ أنْ نتخلَّصَ منه بأيِّ طريقة، لكِنْ في هذه الحالة - إطعامُ النَّاس- ربَّمَا؛ لأنَّ الدَّجاج كبير في العُمر، فقد لا يقبله بعض المساكين، والصَّدقة ينبغي أن تكون من أفضل المال، كما يقول ربنا -سُبحانه وتعالى-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ. سورة البقرة، الآية: (267).
فما رأيُ الشَّرع في ذلك؟
وأريد نصيحة وتوجيها. بارك اللهُ فيكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإنه إذا وجد من المساكين والمحتاجين من يقبل تلك الدجاجات، فإن إطعامها لهم أفضل، وأعظم أجرا من إطعامها للحيوانات. وانظر الفتاوى: 134941 - 75866 - 428128.

وأما قوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ {البقرة:267}.

فلا يدل على حرمة صدقة التطوع بالرديء من المال، وإنما يدل على أنه يُستحب ويُندب التطوع بالصدقة من جيد المال.

قال ابن عطية في تفسيره المحرر الوجيز: واختلف المتأولون: هل المراد بهذا الإنفاق الزكاة المفروضة أو التطوع؟

فقال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وعبيدة السلماني، ومحمد بن سيرين: هي في الزكاة المفروضة. نهى الناس عن إنفاق الرديء فيها بدل الجيد. وأما التطوع فكما للمرء أن يتطوع بقليل، فكذلك له أن يتطوع بنازل في القدر، ودرهم زائف خير من تمرة، فالأمر على هذا القول للوجوب.
والظاهر من قول البراء بن عازب، والحسن بن أبي الحسن، وقتادة أن الآية في التطوع. وروى البراء بن عازب وعطاء بن أبي رباح ما معناه «أن الأنصار كانوا أيام الجداد يعلقون أقناء التمر في حبل بين أسطوانتين في المسجد، فيأكل من ذلك فقراء المهاجرين، فعلق رجل حشفا فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "بئس ما علق هذا"، فنزلت الآية،» والأمر على هذا القول للندب، وكذلك ندبوا إلى ألا يتطوعوا إلا بجيد مختار.

والآية تعم الوجهين، لكن صاحب الزكاة يتلقاها على الوجوب، وصاحب التطوع يتلقاها على الندب.
وهؤلاء كلهم وجمهور المتأولين قالوا: معنى "من طيبات": من جيد ومختار ما كسبتم، وجعلوا الخبيث بمعنى الرديء والرذالة.اهـ.

وكذلك: فإن الآية الكريمة محمولة على قصد إخراج الرديء، لا على إخراجه اتفاقا دون قصد وتحرّ.

قال ابن القيم: ثم قال: ولا تَيَمَّمُوا الخَبِيثَ مِنهُ تُنْفِقُونَ. فنهى -سبحانه- عن قصد إخراج الرديء، كما هو عادة أكثر النفوس: تمسك الجيد لها، وتخرج الرديء للفقير.
ونهيه -سبحانه- عن قصد ذلك وتيممه، فيه ما يشبه العذر لمن فعل ذلك لا عن قصد وتيمم، بل عن اتفاق؛ إذ كان هو الحاضر إذ ذاك، أو كان ماله من جنسه. فإن هذا لم يتيمم الخبيث، بل تيمم إخراج بعض ما من الله به عليه. اهـ. من طريق الهجرتين.

فالخلاصة: أن التصدق على الفقراء والمساكين بذلك الدجاج -وإن كان عمره كبيرا- مشروع، ومثاب عليه -إن شاء الله- وانظر الفتوى: 127144.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني